على هامش “بعض” العودة العربية إلى دمشق
أحمد حسن
بتوقيته وظروفه لم يكن الخروج الأمريكي من “كابول”، وبهذه الطريقة، أمراً طبيعياً، وبغض النظر عن أي دلالات أخرى، وهي كثيرة، فقد كان هذا، كلّه، مؤشراً أول على بدء مرحلة انتقالية في المنطقة والعالم، مرحلة تبدو نهايتها واضحة للجميع لكن تكاليف الوصول إليها هي ما يؤرق الجميع أيضاً.
بكلمة أخرى، يمكن القول إننا نتابع الآن، وعلى الهواء مباشرة، اللحظة التاريخية التي تستدير فيها الآلة البيروقراطية المعقّدة للجهاز الإمبراطوري – الأمريكي هنا – الضخم بكل حمولته العدائية، وبكل أعطابه وخسائره التي مُني بها في معاركه المتعددة حول العالم، باتجاه عدو جديد – “بكين” في حالتنا هذه – متخفّفاً من حمولة تالفة هنا وسفينة قديمة متآكلة هناك، والأهم من عميل مزعج هنا وتابع ثقيل وواهم هناك.
وبطبيعة الأمور، فنحن في هذه المنطقة أكثر من سيتأثر من هذه المرحلة الانتقالية، لأننا، ولأسباب شتى، لن نحظى بخروج أمريكي كامل في المدى المنظور، بل على الأكثر سنشهد “تخفّفاً”، وتلزيماً، بدرجة أو بأخرى من بعض مشاكلنا ومآسينا التي، وللمفارقة الشديدة، حصل أغلبها نتيجة التدخل الأمريكي وبسببه، والمهم في الأمر إنها، بالنسبة للقوى الحيّة بيننا، اللحظة المناسبة للمشاركة في صنع ترتيبات جديدة لملفات قديمة حان وقت إنهائها جزئياً للبعض أو بالكامل للبعض الآخر.
بيد أن هذه الترتيبات، وفي المستقبل المنظور على الأقل، ستكون غير مكتملة أو نهائية حيث يحاول فيها الجميع الحصول على أفضل الحصص، ويحاذر فيها الجميع أيضاً إثارة غضب “الفيل” الأمريكي الخارج، والذي سيسعى بدوره كي تكون هذه الترتيبات لمصلحته ووفق إرادته، مستخدماً كل الوسائل المناسبة لذلك، فبعد أن استثمر طويلاً في عملية ضرب الخصوم بالحلفاء، وهو للحق أمر معتاد، يسعى اليوم لقلب الطاولة على الجميع، فيضرب الحلفاء بالحلفاء والخصوم بالخصوم، بما يخدم هدفه الوحيد: محاصرة بكين، وهنا فقط نفهم سر الطعنة الكبرى في الخاصرة الفرنسية المفترض أنها حليف أساس مقابل التعاون النووي مع استراليا لأن هذه الأخيرة هي من يخدم الهدف المستقبلي للإمبراطورية.
والحق، فإن هذا كله يطرح أمامنا كعرب أسئلة وتحديات عدّة، وبقدر ما هي معروفة للجميع فإن أجوبتها وطرق مواجهتها معروفة للجميع أيضاً، وقد قُتلت بحثاً ودراسة كما يُقال، وهي لن تكون عبر “الحج” إلى واشنطن، على ما يفعله البعض في الداخل السوري بحثاً عن الخبر الأمريكي اليقين انسحاباً من سورية أم بقاء ليبني أوهامه على ذلك، فهم كلهم، حلفاء مزعومين أو خصوم مدّعين، أدوات إيجابية أو سلبية في اللعبة الإمبراطورية الكبرى، وبعضهم وخاصة “الحلفاء” – أنظمة الخليج تحديداً – ستتركهم هذه اللعبة، وقد بدأت التباشير، واقفين بعجز وجزع أمام استحقاقات الخروج الأمريكي سواء كان جزئياً كما يقول البعض أم جذرياً كما يقول البعض الآخر.
بهذا المعنى يصبح على الجميع، سواء كانوا أفراداً سوريين أو أنظمة عربية ضالّة أو مضلّلة، أن يستفيقوا على الحقيقة الوحيدة التي أثبت الزمن صحتها في هذا الشرق التعس ومفادها أنه دون سورية – التي أعطاهم شعبها عبر تاريخه كل النظريات والآمال الكبرى بمستقبل فاعل ومنحهم حديثاً الحلم الوحدوي العربي الوحيد – لا معنى لوجودهم إلا المعنى البيولوجي، وبالتالي فإن البوابة الوحيدة لعودتهم، ولو الجزئية حالياً، لهذا العالم، هي مرة جديدة، مطار دمشق الدولي ولا شيء غيره، ودمشق، وكعادتها، جاهزة للصفح عن كل أخطائكم وخطاياكم فهذا قدرها واختيارها أيضاً.