كتابان لإياد مرشد في ندوة
خصّص المركز الثقافي العربي في أبو رمانة مؤخراً إحدى ندواته لتسليط الضوء على كتابين كانا قد صدرا عن الهيئة العامة السورية للكتاب في وزارة الثقافة للناقد إياد مرشد المدير العام لمكتبة الأسد الوطنية، الأول بعنوان “تجليات السياسة في شعر نزار قباني” والثاني “مقاربات نقدية في الشعر والرواية”، وأدار الندوة الشاعر والإعلامي محمد خالد الخضر بمشاركة الشاعرين د. نزار بني المرجة ود. جابر سلمان وبحضور الأديب إياد مرشد الذي بيّن في تصريحه لـ”البعث” أنه ليس بناقد محترف وهو يمارس النقد كهاوٍ، موضحاً أن جوهر النقد يقوم على الكشف عن جوانب النضج الفني في النتاج الأدبي وتميّزه من خلال الشرح والتعليق، ويرتكز الناقد على ثقافته وتجربته في مجال القراءة والممارسة الحقيقية في تذوق النصوص الأدبية والقراءة الواقعية لحركة المجتمع والنشر والأدب. ورأى مرشد أن النص الأدبي هو قراءة نقدية لواقع ما، وبالتالي فإن النقد يبدأ من المبدع ثم يأتي دور الناقد في تقديم قراءة نقدية لما أنجزه المبدع، مؤكداً أن النقد ليس بحثاً عن الخطأ بل هو محاولة لاستنباط مكنونات النص الأدبي.
التجليات السياسية
وبيّن د. نزار بني المرجة أن كتاب “التجليات السياسية في شعر نزار قباني” يشكل دراسة مهمّة في مجمل نتاج الشاعر قباني السياسي ليسدّ بشكل جاد ثغرة في الدراسات النقدية التي تناولت تجربته، وقد ركّزت في معظمها على شعره المكتوب للمرأة والحب، وفي ذلك تجنّ كبير على شخصية الشاعر في جانبها الوطني والقومي، وقد كان دائمَ الاهتمامِ بقضايا أمته، وعبّر عن ذلك بإصداره دواوين ومجموعات شعرية مكرّسة للقضايا القومية والسياسية، مع إشارة بني المرجة إلى عدد من الدراسات النقدية التي تناولت الجانب السياسي في شعر نزار قباني، وقام بها عدد من النقاد مثل برهان بخاري، تاج الدين أحمد، أحمد زيادة، محي الدين صبحي وغيرهم. وأشار بني المرجة إلى تكريس مرشد جهده للخوض في الدوافع والأسباب التي كانت وراء اهتمام الشاعر بالقضايا السياسيّة التي كانت ضمن هواجسه، وخاصة القضية الفلسطينية وهي التي عاش قباني ظروفها منذ بداية المؤامرة الصهيونية للاستيلاء على فلسطين وتشريد شعبها، وما رافق تلك المرحلة من إحباطات كبيرة عاشها كل عربي.
متمرد في العشق والسياسة
وأوضح بني المرجة أن الباحث خصّص الفصل الثالث من الكتاب لكتابات قباني عن المرأة وتأكيده على ضرورة مشاركتها في الحراك الاجتماعي المتعلق بالوطن والإنسان لأنها نصف المجتمع، متوقفاً كذلك عند الفصل الرابع من الباب الثاني الذي أشار فيه مرشد إلى المحطات الشعرية المهمّة للقباني إزاء الأحداث الجسام التي كانت مثار اهتمامه والدافع لكتابة الكثير من قصائده، ومنها على سبيل المثال حرب الخليج الثانية وقضية الحرب والسلام، مبيناً أن خاتمة الكتاب تضمّنت تأكيد مرشد على أن قباني تناول في شعره قضايا الأمة، وهذا ما لا يستطيع أحد نكرانه، ورفضه لما جاء على لسان البعض بأنه أغفل بعض القضايا في أزمنة مختلفة من عمره، وهو إن فعل ذلك أحياناً فمردّه إلى أنه ليس مطلوباً من الشاعر أن يكون معلّقاً سياسياً أو صدىً لكل واقعة سياسية، وأنه رغم اختلاف تقييم النقاد لتجربته في معالجة قضايا الوطن والمرأة إلا أنه لا يمكن لأحد أن ينكر أنه مثّل في كل ما تناوله من قضايا في شعره صوتاً منفرداً وأسلوباً جديداً في التعاطي مع الشأن العام، لتبقى الإشارة المهمة برأي بني المرجة إلى إغناء مرشد لأبواب وفصول الكتاب بشواهد لافتة من قصائد الشاعر قباني التي تؤيد ما ذهب إليه حول تجليات السياسة في تجربة الشاعر.
وفي قراءته لكتاب “مقاربات نقدية في الشعر والرواية” أشار جابر سلمان إلى أن مرشد تناول في هذه المقاربات أربعة نماذج من الأدباء، ثلاثة منهم في الشعر ونموذج واحد في الرواية، ففي الشعر اتّخذ من الشعراء عبد الكريم الناعم ويوسف المسمار ونزار قباني أنموذجاً له، حيث بيّن سلمان أن مرشد توقف عند البعد الإنساني لدى الشاعر عبد الكريم الناعم في مجموعته الشعرية “لأقمار الوقت” مبيناً أن مرشد رأى في الناعم صوتاً مميزاً في ظل ظروف استثنائية حيث لم تتعبه السنون وبقي وفياً لرسالة الشعر ومخلصاً للمبادئ التي تربّى عليها، في حين بيّن بني المرجة أن مرشد رأى أيضاً في هذا الكتاب أن الشاعر نزار قباني واءم بين الشكل والمضمون في قصيدته، وقد شكّل ظاهرة مميزة في الشعر العربي، أما الشاعر يوسف المسمار وهو شاعر لبناني عاش في البرازيل فقد وصفه مرشد كما أوضح سلمان بأنه شاعر إشكالي، فهو لا يُهادن، ووظيفة الشعر عنده إيقاظ الشعب، متوقفاً في كتابه عند أهم المحاور التي دار شعر المسمار حولها وهي الالتزام بالعقيدة السياسية التي ينتمي إليها والالتزام بقضايا وطنه وأمته، دون أن يقع المسمار في دائرة الإحباط والتشاؤم والسوداوية، مع الالتزام بالقيم والأخلاق والعقل، وهو برأي مرشد شأنه شأن معظم شعراء المهجر.
ألف ليلة وليلتان
أما النموذج الروائي الذي ذهب إليه مرشد في كتابه، كما جاء في مداخلة سلمان، فكان رواية “ألف ليلة وليلتان” للروائي هاني الراهب باعتبارها نموذجاً للرواية السورية التي استطاعت استيعاب مجمل التقنيات الروائية الحديثة، ويراها مرشد في كتابه رواية واقعية تصور الحياة اليومية بدقائقها، مع ميلها إلى الإيجاز والتكثيف، مركزاً فيها على الحاضر دون الالتفات إلى المستقبل، ورأى سلمان أن مرشد أجاد في تحليله النقدي لهذه الرواية من حيث توقفه عند الجوانب الفنية والتقنية لها، وقد أغفل ذلك في وقفاته النقدية عند الشعراء الثلاثة متوقفاً عند النتائج التي توصل إليها في دراسة هذه الرواية، وأهمها اختلاط الأزمنة فيها، مشيراً إلى أن الزمن كان الرابط الوحيد في عملية السرد وهو أساس تطور الأحداث، وبيّن سلمان أن أهمية مقاربات مرشد في الشعر والرواية أنها تسلّط الضوء على تجارب أدباء في الشعر والرواية كان لهم دورهم البارز والمميّز في إغناء الحركة الأدبية الشعرية والروائية في الأدب العربي الحديث.
أمينة عباس