كيف انفتحت الصين على العالم؟
هيفاء علي
تمكّنت الصين من تحقيق مستويات جديدة من التنمية الاقتصادية، واحتلت مكانتها المرموقة بين عمالقة الاقتصاد العالمي. وعلى الرغم من أن الغرب يتحدث باستمرار عن التسامح ويتهم دولاً أخرى بانتهاك حقوق الإنسان، تظهر صورة مختلفة تماماً في الدول التي ينتقدها بهذه الطريقة، كما هي الحال في الصين.
والمعنى الحرفي لكلمة “الصين” هو “دولة الوسط”، وكان الشعب الصيني يرى نفسه في الأصل على أنه مركز الأرض، والآخرون على أنهم مجرد أمم بربرية، وهذا جزء من السبب الذي جعل الصين القديمة دولة مغلقة لعدة قرون.
في البداية، كان من الصعب للغاية تغيير الإيديولوجية الصينية، ولكن مع مرور الوقت انفتحت الصين تدريجياً على العالم، أو بشكل أكثر دقة، بدأ العالم في “الانفتاح” على الصين، وكانت هذه الخطوة مدفوعة بأحداث غير سارة مثل ما يُسمّى بحروب الأفيون (حرب الأفيون الأولى 1839- 1842، وحرب الأفيون الثانية 1856- 1860)، والتي كانت تهدف إلى حماية المصالح التجارية البريطانية في إمبراطورية تشينغ. وفي عام 1861، تبنّت الإمبراطورة “تسيشي” سياسة جديدة للإدارة الذاتية للصين. كان الغرض من هذه السياسة استعارة التكنولوجيا الغربية، لأن التطور التكنولوجي الصيني في ذلك الوقت كان متأخراً عن التكنولوجيا الغربية، وكذلك استخدام المعرفة التقنية العلمية الجديدة. وفي وقت لاحق، بدأ الصينيون بالسفر إلى الخارج من أجل التعليم.
في عام 1949، تأسّست جمهورية الصين الشعبية، وانفتحت البلاد، وإن كان ذلك في المقام الأول على الدول الشيوعية فقط. وفي عام 1978، اقترح المصلح الصيني دنغ شياو بينغ برنامج الإصلاح الاقتصادي المعروف باسم “سياسة الإصلاح والانفتاح”. انفتحت البلاد على الاستثمار الأجنبي، وكان الطلب على العمالة الصينية في جميع أنحاء العالم. ومهّدت هذه المرحلة الطريق لخلق صورة جديدة للصين كدولة قوية وسريعة النمو.
تستمرُ السياسة التي بدأها دنغ شياو بينغ منذ فترة طويلة حتى هذا اليوم، حيث يواصل زعيم جمهورية الصين الشعبية، شي جين بينغ، العمل بنشاط منقطع النظير على تعزيز مكانة الصين في العالم وخلق صورة جذابة عند دول الجوار ودول العالم قاطبة.
من السمات المهمّة لسياسة جين بينغ الخارجية قراره تنفيذ خطة التنمية الخمسية الثالثة عشرة لجمهورية الصين الشعبية، والتي كان من المقرّر أن تستمر من 2016 إلى 2020. كان الهدف من هذه الخطة بناء متوسط دخل للمجتمع بحلول عام 2020. تمّ تنفيذ هذه الخطة على البيئة والابتكار والانفتاح وتوجيه الاقتصاد الصيني نحو الطلب المحلي. وبفضل هذا الأمر، تمكّنت الصين من تحقيق مستويات جديدة من التنمية الاقتصادية، واحتلت مكانتها بين عمالقة الاقتصاد في العالم. لدى الصين خطة واضحة للتنمية الاقتصادية، وكان جزء منها قرار إحياء “طريق الحرير” الصيني بمفهومه الحديث (حزام واحد، طريق واحد).
كانت إحدى الأفكار المهمّة التي طرحها الزعيم الصيني هي إنشاء مفهوم “مجتمع المصير الواحد للبشرية”، والذي يقوم على مبادئ الأمن العالمي والسلام الدائم والازدهار المشترك والانفتاح. كما أعرب مراراً عن هدفه المتمثل في إنشاء منطقة تجارة حرة لآسيا والمحيط الهادئ.
إن تعزيز موقعها في منطقة آسيا هو المهمّة الأساسية للتنين الصيني الذي تخشاه العديد من الدول التي تعتقد أنه من خلال تبني نمط التنمية الصيني، ستغدو معتمدة على الصين نفسها.
على الرغم من ذلك، أعلنت الصين شكلاً جديداً للسياسة الخارجية يعتمد على “القوة الناعمة”. ومع كل الإنجازات التي تحققت في العقود الماضية، فإن الحكومة الصينية تقدم الصين للجميع كدولة نامية تعبيراً عن تعاطفها واحترامها للبلدان النامية، وتحقيق التشاركية معها. ومادامت الصين تقوم، بعد عدة سنوات، بمراجعة موقفها تجاه الدول المجاورة نحو الأفضل، فلماذا لا يحاول الغرب أن يفعل الشيء نفسه؟.