مشاريع قيد الحلم
سلوى عباس
المسرح هو حالة تعبير عن الوجود ونهاية هذا الوجود أيضاً، يقدّم مفاتيح السعادة والبؤس حسب رؤية كل شخص للحياة، ودائماً الاختلاف قائم بين من يبكي غياب المسرح ويستسلم للأزمات التي يعيشها، وبين مَن هو مؤمن بالرسالة المسرحية أكثر ويعيش حالة من التفاؤل في أن المسرح باقٍ، وسيعود إلى سابق عهده من التألق والازدهار رغم كل الصراعات التي يعيشها، فكون الحياة مسرحاً هذا يعني أن حالة التأمل والأفق المفتوح هي السمة الغالبة على المسرح ومحبيه، هذا المسرح الذي يدعو إلى السلام بما يقدّمه من مقولات وما يناقشه من قضايا، وطرح أسئلة حول الوجود والإنسان، ومحاربة القبح والموت بالجمال والإصرار على الحياة، عبر وظيفته الإنسانية والحضارية والثقافية، وما يوّصف بأنه “أزمة مسرح”، هي أزمة لا تتعلّق بالمسرح فقط، بل هي أزمة ثقافة وتعاطٍ مع الفنون كافة، سواء السينما أم المسرح أم القراءة وغيرها من الفضاءات الثقافية الأخرى، فالمسرح هو الوعاء الجامع لكل فنون الجمال، ومن لا يتذوق الجمال لا يدرك قيمة الحياة.
انطلاقاً من هذا الكلام نرى الفنانين جميعاً وتحديداً الذين حققوا حضورهم بالدراما التلفزيونية في أجوبتهم حول مشروعهم المسرحي وماذا تحقق منه عبر مسيرتهم الفنية؟ نراهم يتغنون بالمسرح ويؤكدون أنه متعتهم وشغفهم الأهم، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا ماهي ماهية المشروع المسرحي في ظروف مسرحية يفترض أنها ليست جيدة؟ وبالتالي ماهي شروط تحقق المشروع المسرحي، هل يتوضح هذا المشروع بتجربة واحدة أم أن هناك شروطاً تحكم التجربة الفنية من الضروري توفرها ليأخذ المشروع مصداقيته وشرعيته؟.
لعل من أهم شروط المشروع هو علاقته بالجمهور ومدى ملامسته لمعاناته وقضاياه، إضافة إلى أي مدى ابتكار التجربة الفنية يحقق انعطافاً بخطى التجربة الفنية المسرحية، ومشروع أي فنان يحتاج عدة تجارب ليعمل انعطافة تغيّر في طريقة تفكير الآخرين، وهناك فنانون كبار قدموا بوقت ما تجارب لها أهميتها بتاريخها ووقتها، وهذه الأهمية عملت تغييراً بآلية التعامل مع التجربة الفنية.
وبعيداً عن هذا الكلام نتساءل: أين ما يقدم اليوم من شروط المشاريع المسرحية؟ هل عناصر تحققها متوفرة؟ أم أن ظروفاً أخرى تحكم هذه المشاريع وتعيق اكتمالها؟
إن مشكلة المسرح السوري الآن لا تقتصر على تجربة شخص أو آخر، وإنما المشكلة في آلية التعاطي مع التجربة المسرحية والى أي حد نمتلك الرغبة في تقديم مسرح محترف؟ وما نراه في واقع المسرح أنه يفتقد للتخصص حيث كل يوم يظهر اسم مخرج لم نسمع باسمه من قبل لنعلم فيما بعد أنه كان عامل إضاءة أو تصوير أو ما شابه، وهذا ما كان ليحصل لو أنه كان هناك إستراتيجية مؤسساتية تُعتمد في المسرح، والاعتماد على عقول عملية تمتلك العلم والمقدرة على خلق أفكار تحاكي تطلعات جمهور المسرح والاستفادة من الخبرات في تشكيل كوادر مسرحية مؤهلة وناجحة، وهذه لا تتم إلا بالحوار بين المسرحيين والقائمين على إدارة المسرح لإيجاد حلول تقوم على قواعد وقيم جديدة.
لا ننكر أن هناك مشاريع مسرحية لمبدعين حقيقيين مسكونين بحلم المسرح، لكن هذه المشاريع تحتاج لشروط فنية صحية حقيقية لتتحقق، ومن دون ذلك تبقى المشاريع المسرحية والمسرح كله قيد الحلم.