“أوكوس” تحالف أنغلوساكسوني لمحاربة الصين
محمد نادر العمري
تطوّر لافت شهدته طبيعة العلاقات الأمريكية الخارجية خلال الأسابيع الماضية مع إدخال المحيطين الهندي والهادئ في خضم الصراع مع الصين، وإزعاج فرنسا القوة البارزة في أوروبا لتحسن تموضع أستراليا العسكري وفتح المجال لها بامتلاك غواصة نووية.
ضمن دائرة هذا المحور تدور التجاذبات الحاصلة مابين الأطراف المتعدّدة، فرنسا ومن خلفها معظم الدول الأوروبية التي تصرّ على التبعية السياسية للولايات المتحدة الأمريكية والتي تتخلّى عنهم في أية لحظة من شأنها أن تمسّ بمصالحها، وبريطانيا المغرد خارج السرب الأوروبي لمصلحة الخدمة الأمريكية، وأستراليا التي يبدو أنها ستكون كبش الفداء للسياسة الأمريكية في مسار الصراع مع الصين، والأخيرة التي هي على يقين كامل أنها باتت اليوم تشكّل الخطر الأكبر على الولايات المتحدة، لذلك معظم استراتيجيات واشنطن باتت على مقارعتها بمختلف المناطق وبكل الأساليب. وفي مقال نشرته صحيفة “الغارديان” البريطانية بعنوان “مواجهة مع الصين”، قالت: “إنه لا يمكن لعاقل أو غير عاقل أن يصدق، ولاسيما الصين، أن الاتفاق الجديد لا يهدف إلى احتواء الصين، لكن السؤال إلى أي مدى يثبت ذلك؟”.
تهدف واشنطن من هذا المشروع والذي عُرف بـ”الأوكوس” لتمكين أستراليا من الحصول على غواصات تعمل بالطاقة النووية بعد تعثر عقد اقتناء سفن فرنسية الصنع، وهو ما أتاح الفرصة للوصول لاتفاقية قوامها تعاون عسكري، وشراكة واسعة النطاق في أكثر من مجال، حيث وفق ما يمكن استنباطه من “الأوكوس” أن الاتفاقية تضمّنت مابين سطورها إلزام بريطانيا وأستراليا بموقف الولايات المتحدة، وبما يسمح تعزيز القوة العسكرية الأمريكية في المنطقة، رغم غضب فرنسا العلني، أهم لاعب في أوروبا في المحيطين الهندي والهادئ.
من حيث التوقيت يبدو أن الاتفاق ليس بجديد، ولكن طرحه زمنياً جاء بما يتناسب مع مصالح وتوجهات الرئيس الأمريكي جو بايدن، وهو ما نوهت به صحيفة “واشنطن بوست” عبر ما كشفته من تسريب لأحد مسؤولي البيت الأبيض العاملين في إدارة فريق بايدن عندما قال للصحيفة: “إن خطة أوكوس بدأت تتشكل سراً منذ أن تولى بايدن منصبه، لكن طرحها الآن يناسب هدف بايدن بإظهار أن الولايات المتحدة لاتزال حليفاً عسكرياً قوياً، على الرغم من انسحابها الفوضوي من أفغانستان، وهي أي واشنطن انتهزت فرصة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والخلاف الأسترالي الفرنسي للمسارعة في طرح الاتفاق وترجمته على أرض الواقع”.
من خلال ما تقدم يمكن وضع عدة ملاحظات متتالية من جراء هذا الاتفاق:
- إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن عن الاتفاقية الجديدة في بيان مشترك عبر مؤتمر افتراضي مع رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، هدفه تحسين موقع بايدن على المستوى الداخلي بعد تراجع شعبيته نتيجة الانسحاب الفوضوي من أفغانستان، وإرسال رسالة باستمرار التحالفات العسكرية القديمة لتحقيق أهدافها.
- إن الهدف قصير المدى لتحالف المحيطين الهندي والهادئ وربطهما وفق العقدة الأمريكية من الناحية الشكلية هو مساعدة أستراليا على مدار عام ونصف في بناء غواصة هجوم نووي، والتي ستكون منصة إطلاق أسلحة خفية تحت البحر، لمنع استغلال الصين لخط المرور البحري ضمن شبكة المواصلات الرابطة والموسّعة لطريق الحزام والطريق.
ووفق هذا الاتفاق فإن التأثير الأعمق، كما كشفت “فورن بوليسي”، هو أن الدول الثلاث ستتعاون خارج المشروع الفرعي على مجموعة واسعة من التقنيات العسكرية الجديدة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية والصواريخ فوق الصوتية والأسلحة السيبرانية والأنظمة الجديدة تحت سطح البحر. ويمكن لهذا التحالف التكنولوجي الثلاثي أن يحرك قطاع الدفاع الأميركي المنعزل والبطيء الحركة أحياناً، كما يأمل فريق بايدن.
صحيح من الناحية النظرية والفعلية أن تحالف “أوكوس” يربط ثلاث دول ناطقة باللغة الإنكليزية بجذور أنغلوسكسونية، إلا أن الهدف الأبعد للإدارة الأميركية هو تعميق علاقاتها وإيصال مفاعيل هذا التحالف لتضمّ الهند واليابان، إضافة إلى أستراليا والولايات المتحدة، ليصبح هذا الخط تحت إشراف الإدارة الأمريكية.
ومن اللافت أن هذا الاتفاق أو التحالف يخرق الأدبيات العسكرية النووية الأمريكية المتضمنة أن التقنيات المتطورة لم تشاركها الولايات المتحدة إلا مع بريطانيا بموجب اتفاقية 1958. ما يعني أن الولايات المتحدة تسعى لمشاركتها مع الدول الأخرى دون معارضة أي من الحزبين الجمهوري والديمقراطي اللذين أبديا موافقتهما على الاتفاق ودعمه والترويج له، ما يعني أن الترويج له سياسياً على الصعيد الداخلي يكمن في مجابهة الصين ثم الصين ثم الصين!.