“خلف ستائر فيينا”.. صراع الذات على الممنوع المرغوب
احتفى المركز الثقافي العربي في أبو رمانة مؤخراً بالتجربة الروائية الأولى للكاتبة المغتربة في النمسا لوريس الفرح التي حملت عنوان “خلف ستائر فيينا”، وشارك في هذا الاحتفاء عبر الندوة التي أقيمت الكاتب والناقد د. حسن حميد، الكاتب أيمن الحسن، الإعلامية سلوى عباس، وقد أكد الناقد والإعلامي عمر جمعة مدير الندوة في تصريحه لـ”البعث” أن دمشق عندما تحتفي بإبداعات الأدباء السوريين الذين يعيشون في أوربا فهي تحتفي بقيمة الأدب والثقافة والفكر الذي كان وما زال محور تفكير الإنسان السوري، وما استدعاء مثل هذه الرواية لكاتبة تعيش في دول الاغتراب إلا احتفاء بولادة كاتبة سورية جديدة، والتأكيد على أننا في سورية نسعد لأي إنجاز يحقّقه المبدع السوري المغترب الذي لم ينقطع عن التواصل الحضاري والثقافي والفكري مع بلده.
تكشف ما خلف الستائر والمصائر
وأشار الشاعر والإعلامي زاهي وهبي في تقديمه لـ”خلف ستائر فيينا” إلى أنها رواية كُتبت بلغة سلسة بعيدة عن المبالغة والتعقيد عبر شخصيات روائية تتنازعها الميول والأهواء وتعيش صراعات داخلية ضاربة، مبيناً أن الرواية تكشف ما خلف الستائر والمصائر، وتدعو قراءها إلى إزاحتها ومرافقة شخوصها في رحلة صراعهم مع أنفسهم ومصائرهم، وهذا ما أكدته الكاتبة الفرح في تسجيل مرئي أرسلته من فيينا وتابعه المشاركون والحضور، بيَّنت فيه أن “خلف ستائر فيينا” صراع الذات على الممنوع المرغوب، معترفة أنها في البداية ظنّت نفسها ممسكة بكل خيوط الحكاية، وأنها قادرة على إدارة دفتها إلا أن شخصيات روايتها سرعان ما تنامت على عجلة وأخذت كل شخصية المنحى والخط الذي يمثلها، منوهة بأنها توقفت في مفصل معيّن عن الكتابة عندما لاحظت انجرارها وراء بعض الشخصيات لتخرج من تداعياتها لأنها لا تريد أن تكون جزءاً منها.
أحداث متشابكة
وبيّن الكاتب أيمن الحسن في بداية قراءته للرواية أن الرواية بشكل عام لم تعد وسيلة تسلية بل تحوّلت إلى وثيقة فكر وشهادة واقع ورؤية مستقبل ووسيلة احتجاج، تنقل لنا أدقّ تفاصيل النفس لشخصياتها وتطرح الأسئلة الوجودية الكبرى في الحياة، مؤكداً أن “خلف ستائر فيينا” كُتبت بصوت راوٍ عليم طرح عبر السرد أسئلته التي أغنت مسار الأحداث وانعطفت حيث شاءت مع مقاطع كانت أقرب إلى الشعرية، مشيراً إلى أن الأحداث تتشابك في الرواية لتقدّم الكاتبة نهاية مفتوحة على الغارب في روايتها الأولى التي ترسم فيها الافتقاد الموجع للاهتمام ما بين زوجين، حيث تبرع الكاتبة في نسج علاقات شخصيات روايتها بواقعية ضمن سرد سلس وعبر لغة واضحة، وكان الحسن قد أكد في تصريحه لـ”البعث” أن مثل هذا الاحتفاء ما هو إلا فرصة لتفعيل ثقافة الحوار وإلقاء الضوء على إبداعات شبابنا التي أصبحت لها مكانة لائقة على خارطة الإبداع العربي، مبيناً أن رواية “خلف ستائر فيينا” تطرقت لموضوع اجتماعي ضمن قصة حب جميلة، وقد أتقنت الكاتبة التعبير عنه متكئة على اللغة السردية البعيدة عن التعقيد والرمزية.
صراعات الروح والحياة
وأوضحت الزميلة الإعلامية سلوى عباس في مشاركتها التي قرأتها الإعلامية إلهام سلطان أن الكاتبة سردت لنا عبر أحداث روايتها قصة حب عاشوها بكل تناقضاتها ومفارقاتها، موظفة المكان توظيفاً كبيراً نسجت من خلاله أحداثاً ليظهر الرابط الروحي بين المكان الذي تجري فيه الأحداث والوطن الراسخ في أعماق الروح. كما اعتمدت الكاتبة على سبر نوازع النفس البشرية بشفافية وعمق، مما أغنى هذه الشخصيات وقدّمها كائنات من لحم ودم. وأشارت عباس إلى الحسّ العالي باللغة في الرواية، وقد أجادت الكاتبة توظيفها فحملت الكثير من النبض الحياتي للشخصيات، وهذا يؤكد أن الرواية لا تعيش بلغة القواميس فقط، مبيّنة أن الكاتبة استطاعت أن تصوغ عبر سردياتها بعض المفارقات الاجتماعية بين عالمين هما دمشق وفيينا بلغة رشيقة التقطت معها التفاصيل، فرسمت العلاقات الاجتماعية وما يظهر منها في لغة التواصل بما يخدم الغايات الدفينة التي تبوح بها الرواية تعبيراً عن روحية القص، موضحة أن “خلف ستائر فيينا” رواية تمثل الواقع بكل وجوهه، وتحمل الكثير من الشجن والأسى الموشّى بأطياف الحب، وقد عبّرت عنه الكاتبة بأسلوب رشيق مشغول بلغة شفافة وقوية ومتميزة لتكون في النهاية رواية إنسانية بامتياز، تحاور الإنسان في زمن نحتاج فيه إلى الحوار والعقل والمشاعر معاً.
العقل والقلب
واختُتم الاحتفاء برواية “خلف ستائر فيينا” بمشاركة للكاتب د. حسن حميد الذي أشار إلى أن الرواية قائمة على ثنائيات كثيرة: الواقع والحلم، المسموح والممنوع، الحياة والموت، العقل والقلب، معترفاً أنه كان متخوفاً من أن تأتي نهاياتها سينمائية معروفة ومعتادة، إلا أن هذا التخوّف لم يعشه في الرواية لأن العين اليقظة للكاتبة كانت في أعلى درجات صحوها على السرد كي لا يقع في النهايات المكشوفة، مع مهارتها في التلاعب بالأحداث من خلال تمظهرات الاختفاء والتجلي بين تضاعيف الواقع والمجاز، وهذا برأيه ما أنقذ الرواية من أن تكون مجرد رواية طويلة عن شؤون عائلية قد لا تهمّ إلا أصحابها، أما المكان والزمان في الرواية فقد وجدهما حميد هامشيين، فإن كانت دمشق هي المكان أم فيينا فالأمر سيان باستثناء عزف الكاتبة على وتر الحنين إلى دمشق بوصفها المكان الأول للطفولة والمعنى الذي يمثل الوطن، بينما كانت فيينا المكان الثاني الذي عاشت فيه الكاتبة في الرواية دون أن يكون المكان البديل، في حين كان الزمن الروائي فيها غير مشدود لأحداث أو أسباب، وقد غلب على أسلوب الرواية برأيه أمران أثّرا بالروح الفنية للرواية هما السرد الإخباري حتى تكاد أن تكون الرواية في مجملها سطراً سردياً واحداً اعتمد صيغة الإخبار إلى جانب هيمنة السارد في الرواية والذي أساء إلى الروح الفنية فيها، منوهاً كذلك باللغة التي اعتمدتها الكاتبة والتي على الرغم من صفائها ورشاقتها وما فيها من تشويق وتكثيف إلا أنها وقعت في مطب تبني الكثير من الجمل المعروفة والمشوبة بالأغلاط، وكذلك المقدمات الوجدانية التي تصدّرت بعض الفصول أثرت برأيه على وحدة الأسلوب للرواية وحدَّت من تدفق السرد وتجانسه، وختم حميد معبّراً عن سروره بهذه الرواية لما فيها من مهارات، ورأى أن الحكم على الموهبة الأدبية لا يأتي من العمل الأول مع أن الكاتبة كسبت الرهان في تجربتها الروائية الأولى.
أمينة عباس