أقـل مـا يـقـال.. خلل السياسات الاقتصادية
“البعث الأسبوعية” ــ حسن النابلسي
بكل تأكيد، لا يختلف اثنان على ما ينتاب السياسات الاقتصادية من خلل مردّه بالدرجة الأولى تدني مستوى التنسيق بين الوزارات ومؤسساتها المعنية بالشأن الاقتصادي والخدمي.. ولعل تضارب وجهات النظر بين إقامة معمل العصائر خير دليل على ذلك؛ فبعد سنوات طويلة شهدت الكثير من الجدل والأخذ والرد بين وزارة الصناعة ووزارة الزراعة وهيئة التخطيط والتعاون الدولي حول إمكانية إقامة هذا المعمل، فجر وزير الصناعة أخيراً مفاجأة “عدم جدواه الاقتصادية”..!.
وكذلك الأمر بالنسبة لتدني وربما – عدم – التنسيق بين وزارتي النفط والكهرباء، وعدم حسم مسألة تأمين حوامل الطاقة (غاز وفيول) لتوليد الطاقة الكهربائية، ليتم التوافق بينهما على التصريح بـ “نقص التوريدات” فقط.. ففي الوقت الذي تؤكد فيه “النفط” توافر الفيول، يتبين أن محطات التوليد المعتمدة على الفيول تحتاج للتأهيل، في حين – وعلى ذمة “الكهرباء” – أن نظيراتها المعتمدة على الغاز هي المؤهلة بالفعل..!.
وإذا ما انتقلنا إلى القطاع الزراعي، سرعان ما نلحظ غياب البرامج والخطط الكفيلة بتأمين مستلزما المنتج الزراعي، سواء كان حيوانيا أم نباتيا؛ وهنا ترمي وزارة الزراعة الكرة بملعب وزارة الاقتصاد المعنية باستيراد هذه المستلزمات، أو في ملعب وزارة الصناعة لذات الغرض..!.
أمام هذا المشهد المتخم بتناقضاته الناجمة عن غياب التنسيق الصحيح، يبرز دور وزارة الاقتصاد، فهي وزارة سيادية، معنية برسم السياسات الاقتصادية، وبالتالي فإن على بقية الوزارات المتصل عملها بالشأن الاقتصادي، وبغض النظر عن مساحة عملها في هذا الشأن، تنفيذ ما يرُسم، لا أن تبقى كل وزارة تغني على ليلاها..!.
إذاً.. لابد من حسم مسألة أن تكون وزارة الاقتصاد والتجار الخارجية هي المرجعية لجهة اعتماد الاستراتيجيات المتوجب إقرارها والعمل على تنفيذها، فإستراتيجية تفعيل البنية الإنتاجية – كونها الهم الشاغل للحكومة – تقتضي أن تحدد وزارة الاقتصاد مواطن العمل الإنتاجي على مساحة الجغرافية السورية، كل منطقة حسب مقوماتها، وبالتالي لابد من تكريس العناقيد الصناعية الغذائية في سهل الغاب المصنف “سلة غذاء سورية”، وكذلك لابد من تنمية المنطقة الجنوبية صناعياً وتحديداً في منطقة اللجاة الصخرية غير القابلة للزراعة أبداً، ولابد أيضاً من الاشتغال على تأمين مستلزمات الصناعة في حلب ولاسيما الطاقة الكهربائية.. إلخ.
بهذا يمكن بالفعل تحسين الواقع الاقتصادي وبالتالي المعيشي، ولاسيما أن بلادنا زاخرة بالمقومات الطبيعية والبشرية والموقع الجغرافي.. لتبدو بالنهاية مشكلة الاقتصاد الوطني محصورة بالإدارة السليمة للموارد والإمكانيات..!.