للغضب الفرنسي ما يبرره
ريا خوري
ما زالت الولايات المتحدة الأمريكية تعمل لمصالحها دون غيرها، فقد أعلنت بشكل غير مسبوق عن تحالفها مع كلّ من أستراليا والمملكة المتحدة من وراء ظهر باقي الحلفاء الأوروبيين، ومن دون التشاور معهم أو علمهم. كانت تلك الخطوة قد أوقعت خلافاً عميقاً بين الولايات المتحدة وفرنسا التي وقّعت عقداً عام 2016 مع أستراليا لبناء 12 غواصة بقيمة 56 مليار يورو. وكانت أستراليا قد اختارت شركة بناء السفن الفرنسية (نافال غروب) لبناء أسطول غواصات عسكرية جديدة لتحلّ محل غواصات “كولينز” التي مضى عليها أكثر من عقدين.
لقد اعتبرت فرنسا أن ما قامت به الولايات المتحدة يرقى إلى الخيانة، وقد صرّح جان إيف لودريان وزير الخارجية الفرنسي بأن ما حدث هو خيانة وطعنة في الظهر، وقال إنه قرار أحادي مباغت، وهو يشبه كثيراً ما فعله الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. فيما أكدت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورنس بارلي أن فسخ أستراليا العقد مع فرنسا كان قراراً خطيراً على صعيد السياسة الدولية، وجاء مع سبق الإصرار والتأكيد بدفع من الولايات المتحدة الأمريكية.
قد يكون للغضب الفرنسي ما يبرّره حيث استدعت سفيريها من كانبيرا وواشنطن، وهدّدت بأن هذه الخطوة التي اتخذتها الولايات المتحدة قد تؤثر لاحقاً في إبرام اتفاق تجاري بين أستراليا ودول الاتحاد الأوروبي. علاوة على أن فرنسا تعتبر أن إلغاء الصفقة وتجاوز بروتوكولات العمل الاقتصادي والعسكري وجّه ضربة قوية لصناعاتها العسكرية وتحديداً الصناعات الدفاعية، كما أصاب هيبة فرنسا في الصميم.
هذه العملية ساهمت بشكل كبير في تعميق الخلافات بين الحلفاء، وهو ما دفع فرنسا للتعليق بأن الرئيس الأمريكي بايدن اختار أن يسير على خطا سلفه الرئيس السابق دونالد ترامب ويمضي تحت شعار “أمريكا أولاً”، مفضلاً ازدراء وتحقير الحلفاء بدلاً من التقارب معهم ورأب الصدع في العلاقات الأمريكية- الأوروبية.
العديدُ من المراقبين والمحلّلين الاستراتيجيين يرون، بالمقابل، أن الولايات المتحدة، عقب الانسحاب السريع من أفغانستان بحاجة إلى عمل استعراضي يمحو من أذهان الناس مشاهد الانسحاب المذلّ لجيشها من ذلك البلد والذي خلَّف فوضى عارمة، وهناك حديث صدر من داخل الولايات المتحدة أيضاً عن أن الانسحاب من أفغانستان يأتي في إطار الاستعداد للمعركة المقبلة مع الصين، وأن الإعلان المبكِّر عن حلف “أوكوس” كان يهدف بالدرجة الأولى إلى محاصرة بحر الصين الجنوبي، بالتزامن مع بناء حلف “الكواس العسكري” الذي يضمّ إلى جانب الهند والولايات المتحدة كلاً من اليابان وأستراليا، والذي بات يعرف باسم “الناتو الآسيوي”، ويؤكد أن الأولوية الفعلية للرئيس الأمريكي هي المجابهة مع الصين.