“الرجل الأوسط”.. كوميديا عبثية لا ترقى إلى مستوى إمكاناتها
الحدث حصل في بلدة صغيرة في مكان ما من منطقة “رَسْت بِلْتْ” الأمريكية، فتلقفه المخرج السينمائي “بنت هامر” بأسلوب كوميدي عبثي يصيبك بالحيرة عند مشاهدته. فيلم “الرجل الأوسط”، الذي عُرض أول مرة في 17 أيلول 2021، يعكس مزاجاً جامداً يعبق بعبير أعمال العديد من صانعي الأفلام الاسكندنافيين، أمثال آكي كوريسماكي وروي أندرسون، ويفترض أن يشعرك بإحساس جامع.
ولا تستغربنّ إن أصابتك الحيرة عند مشاهدة “الرجل الأوسط”، فطبيعته مشوّشة نتيجة تعدّد اللغات واللهجات فيه، إذ إن المخرج “هامر” نرويجي الأصل، واستند في الفيلم إلى كتابٍ لمؤلف نرويجي دنماركي، كما يضمّ طاقم العمل ممثلين أوروبيين وكنديين يتحدثون الإنكليزية بلهجات متنوعة، وصُوّر في كندا وألمانيا.
يؤدي الممثل النرويجي بال سفير هاغن دور الشخصية الرئيسية فرانك، الذي عيّنته “المأمورية” الحاكمة للبلدة لتولي منصب “الرجل الأوسط” الذي أُحدث حديثاً في المجتمع المحلي، ويبدو أنه عانى من سلسلة من الحوادث المؤسفة. وهذه المأمورية تتكوّن من العمدة (يؤدي دوره الممثل الكندي بول غروس)، والطبيب (الكندي دون ماكِلَر) والقس (الدانمركي نيكولاس برو).
تتمثل مهمّة فرانك في حمل الأنباء السيئة لأفراد الأسرة ليعلموا الفجائع التي حلّت بأحبائهم. ومن نافلة القول إنها مسؤولية جسيمة، ويبدو أن فرانك، بسلوكه الخجول وسحنته الكئيبة الغامضة، مناسب تماماً للمنصب، وخاصة عندما يرتدي بدلة سوداء كالحة، إذ قال العمدة لفرانك ناصحاً عندما لمح علائم تعاطف على وجهه “لا يسعدنا أن يكون بيننا رجل أوسط يبكي، فلا يبكي المَبليَّ إلا أقرب أقربائه”.
ونرى فرانك يحتفل بمنصبه الجديد بشراء شريحة لحم، أو نصف شريحة على الأقل، فلا طاقة له أن يشتري أكثر من ذلك، ومن امتعاضه يجرح الجزار نفسه أثناء شروعه في تقطيع الشريحة، الأمر الذي يمكن عدّه نذيراً لمشقات فرانك في المستقبل.
ولدى فرانك أمر آخر يسرُّ قلبه ويشرح أساريره، وهو علاقته الغرامية مع سكرتيرته الجميلة بريندا (الممثلة السويدية توفا نوفوتني)، التي دخلت إلى حياته من أوسع باب وتمكّنت من قهر خموله العاطفي. لكن الأحداث تنعطف نحو الأسوأ عندما يفتعل حبيب بريندا السابق بوب (النرويجي تروند فوسا أورفاغ) شجاراً في حانة يؤدي بصديق فرانك المفضّل ستيف (روسيف ساذرلاند) إلى الوقوع في غيبوبة، وبدا أنه ميت دماغياً.
وتلبية لمتطلبات وظيفته الجديدة، ينقل فرانك الخبر إلى والد ستيف (الممثل الكندي المخضرم كينيث ويلش)، الذي يتفاعل مع مساعي الرجل الأوسط المتعثرة لتوصيل الرسالة بعداء علني.
وحملت الأيام مآسي أخرى أرخت على عاتقه حملاً ثقيلاً أضناه، فهذا شاب توفي في حادث سيارة، أثناء عودته من الجيش إلى والديه (الكنديان بيل ليك وشيلا مكارثي)، وفتاتان مراهقتان دهسهما قطار أثناء سيرهما على السكة، ففارقت إحداهما الحياة وأصيبت الأخرى بجروح خطيرة، ويجد فرانك نفسه في النهاية واقعاً في موقف خطير حدث بالقرب من منزله.
يتناول الفيلم بهدوء موضوعي الخسارة والحزن، مخمّرين بجرعات من الفكاهة الجامدة التي تحمل سمات اسكندنافية بوضوح. في حين أنشأ المخرج بنت هامر نغمة بصرية ثقيلة تناسب الفيلم من خلال لقطات محبوكة بعناية وتحركات كاميرا رشيقة، فيصعب تحديد ما يريده بالضبط من الناحية العاطفية، والقصة هزلية بشدة بحيث لا يمكن أخذها على محمل الجد، لكنها لا تصل أبداً إلى نوع من السمو العبثي الذي يسمح لنا باحتضان عناصرها الغريبة بشكل كامل. كما أنها غير متقنة على المستوى الدرامي، بخصائصها ومواقفها، كقصة الحب التي نبتت براعمها بين فرانك وبريندا، وعلاقة فرانك المتوترة مع والدته (الكندية نينا أندرسنبورود)، ما يشعرنا بأن القصة منقوصة.
وعلى الرغم من كل العناصر المستفزة في أفكاره الأصلية، يظلّ فيلم “الرجل الأوسط” مقيّداً ووديعاً بدرجة لا تحقّق التأثير المطلوب، إذ نتمنى في داخلنا لو تعامل مع هذا المفهوم أمثالُ الأديب ستيفن كينغ أو الكاتب السينمائي رود سيرلينغ أو المخرج ألفريد هيتشكوك، حتى يتسنى لنا معرفة نوع الحبكة الشاذة التي قد يضفونها على الفيلم.
إعداد: علاء العطار