قراءة في مجموعة “دموع الياسمين” للشاعرة رولا محمد
مجموعة شعرية صادرة عن مؤسسة سوريانا للنشر ضمّت بين جوانحها /99/ قصيدة نثرية صبغت عليها شاعرتنا أحزانها وآلامها وقلبها وحبها لوطنها فكتبت في الإهداء:
إلى سوريتي أرض العزة والكرامة والإباء
إلى كل ذرة تراب تعطرت بدماء الشهداء
إلى كل قطرة دم سالت على أرض الأنبياء
إلى كل روح تعبت من الألم والعناء
هكذا سطّرت حروفها بحب الأرض والوطن فيغدو حزن القصيدة جلياً في قصائدها، حيث استخدمت الشاعرة أسلوبها بين الأمل والحلم ليولد من رحم الحياة عبق الياسمين، وكان ذلك واضحاً من خلال اختيارها للعنوان الذي حمل سيكولوجية المعنى وروح الحياة وتداعياتها، والشاعرة رولا تحدثت في مجموعتها عن الوطن بكل حالاته وعن الذكريات والطفولة، وجسّدت بعفوية انبعاث ولادة رغم الدموع عبّرت في نصوصها الشعرية عن وجع وتحدٍ وعن الولادة والرغبة في الحياة، مع العلم أن هناك تكراراً مستهجناً في كشف حجاب الذات في قصيدة “من أنا” تقول:
أنا ياسمينة من ياسمين سورية
أنا من مدينة طرطوس الساحلية
أم الشهداء الأبية
حورية من حوريات
البحر المنسية
أنا لست شاعرة
بل أنا قصيدة وطنية
هكذا كان الوجود متمكناً وعابقاً بعطر الياسمين رغم جديلة الخوف ورسوم الفجر على خد الشمس، ونلاحظ تكرار حرف التشبيه /ك/ الذي يعدّ أكثر الأدوات استخداماً في التشبيه، وقد برعت الشاعرة في استخدام الجرس الموسيقي في اختيار المفردات والمماثلة الصوتية الداخلية، مما يمنح السطر الشعري إيقاعه الخاص ويساعد في نشر الموسيقى، وفي قصيدة “درة الشرق” تقول:
شآم أنت زهرة المدائن
وزينة الجنائن
والموطن الآمن لكل كائن
وأسودك حموا عرينك
فكانوا بيارق ومنارات
تحدوا الكون أحبطوا المؤامرات
هزوا عرش المعتدين
أرهبوا الطغاة
وأعادوا إليك السلام
يا درة الشرق يا شآم
الشاعرة عندها نسيج وشواطئ من الذكريات حين تحتمي بركن من الذاكرة المتعبة فيولد النص مزيجاً من ذكريات طفولية بعيدة وأخرى قريبة، ورغم الحزن والقلق فقد حرصت على أن تعبّر عن إحساسها الفني باستعمالها بساطة المعنى واقتناص فني للصورة والمشهد الشعري المراد التعبير عنه، فهي تتطرق إلى مواضيع تهمّ هموم الوطن تاركة العنان لانفعالاتها وأحاسيسها.
قصائدها تعلن بوضوح وجرأة رفضها للظلم والعنف والطغيان، في اعتبار المجموعة تحمل شعر مناسبات ولا تلتزم الشاعرة بنوع معيّن من الكتابة فقد اعتمدت الحرية في التعبير وانتقاء الكلمة مما تمنح قصائدها ألواناً مميزة وتختلط الصور الشعرية والمواقف في بعض القصائد.
الشاعرة رولا محمد مرت في عدة تجارب بكتابة النص النثري إلى العمودي إلى المحكي وقصيدة التفعيلة التي تبث فيها مكنون عواطفها ومشاعرها الدفينة، تتآلف تارة وتتكاتف، وتارة أخرى تتباعد، فقد جعلت بإحساسها إضافة رموز تفيض من الحيوية والنبض والحياة، وفي قصيدة “زهر النصر” تقول:
وغنت النوارس
فوق شطآن البحار
غردت العصافير
وصفقت أغصان الأشجار
دقت أجراس الكنائس
أشعلت الشموع
كبرت مآذن الجوامع
أقامت صلاة وركوع
تلألأت المقل
وذرفت الدموع
تباهياً وفرحاً بعظمة هذا الانتصار
“دموع الياسمين” هو رسالة شاعرة متمرسة تدرك كنه الألفاظ والكلمات التي تبثها في نصوصها مع جزالة المعنى وجمال الصورة، حيث استفادت الشاعرة من تجربتها بالمخزون الثقافي والمعرفي بالإضافة إلى الموهبة ومهارة استخدامها في بناء المفردات، فجاء شعرها مليئاً بالحبكة الشعرية التي ترمي إليها.
“دموع الياسمين” عنوان يستحق التأمل والتحليل وتعدّد القراءات، ومن أهم عتبات النص الدلالة والرمزية ودخول المتلقي في عتبة البعد الفلسفي الوجودي والتعرف على البعد السايكولوجي للشاعرة من خلال التناص الظاهر في مفردات نصوصها الشعرية مضمخة بعبق التاريخ وتاريخ الأمكنة، وقد استخدمت الشاعرة تحولات الحياة وتطورها ونضوجها وفنائها بمعزوفات موسيقية تتجسّد في حقائق وجودية، وتأخذنا الشاعرة إلى سيمفونية القدر ومفاتيح تدغدغ المشاعر من خلال الإيقاع الداخلي للنصوص المتمثلة بذاكرة مترسخة لصراع الإنسان على طول التاريخ من أجل الحياة.
ومن قصيدة “دموع الياسمين” نختار:
ذرفت دموع الياسمين
على والد مغادر
كفكف دمع أطفاله
بأنامله
صمّ أذنيه عن ندائهم
حبس في عينيه دمعته
بدأ طريق نضاله
ولبى نداء الوطن
هكذا قرأت المجموعة الشعرية “دموع الياسمين” وتستحق القراءة والغوص في عالم الشاعرة رولا محمد.
هويدا محمد مصطفى