مصير المهاجرين غير الشرعيين في ليبيا
ترجمة سمر سامي السمارة
تحوّلت الهجرة غير الشرعية لمئات الآلاف من الأفارقة والآسيويين إلى تجارة مربحة، وأصبحت بمثابة منجم من الذهب بالنسبة للشبكات الإجرامية ووكالات إنفاذ القانون والجماعات الإرهابية الدولية.
قبل موته بوقت قصير، حذّر الزعيم الليبي معمر القذافي الاتحاد الأوروبي من أن ليبيا كانت أحد الحصون الرئيسية لمواجهة الهجرة الجماعية من أفريقيا إلى أوروبا. وبالفعل، استقر مئات الآلاف من الأشخاص القادمين من بلدان غرب، ووسط، وشمال شرق أفريقيا في ليبيا، التي رحّبت بتدفق العمال الأجانب. وعرضت على المهاجرين من البلدان الأفريقية الأقل نمواً، الوظائف والمأوى، ودمجت الكثير منهم – ولاسيما الطوارق القادمين من مالي – في الجيش.
أما اليوم، فقد انخرطت الجماعات الإجرامية المختلفة بعملية الاتجار بالمهاجرين غير الشرعيين مع المسؤولين الليبيين، وبحسب مصادر غربية مطلعة، بلغ متوسط تكلفة كل مهاجر أفريقي على القارب 1500 يورو تقريباً، ونظراً لعدد المهاجرين الهائل، بإمكانكم تصوّر حجم الإيرادات التي تجنيها مثل هذه الشبكة الإجرامية. وبالتالي يمكن أن تكون مشكلة الهجرة واللاجئين وسيلة ضغط مثالية على دول الاتحاد الأوروبي، وبذلك يتعيّن على أوروبا تخصيص أموال هائلة لمنع الهجرة غير الشرعية.
خلال فترة تولي القذافي السلطة، نجح تطبيق القانون الليبي في الحدّ من الهجرة الجماعية غير الشرعية، لكن ليبيا التي ابتليت – منذ عدوان الناتو في عام 2011 – بانعدام الأمن والفوضى، تحوّلت إلى مركز للاجئين الذين يسعون لعبور البحر الأبيض المتوسط إلى الاتحاد الأوروبي.
وبحسب المنظمة الدولية للهجرة، شهدت المعابر الحدودية في الأشهر القليلة الماضية، زيادة حادة في محاولات العبور من ليبيا إلى أوروبا. ومنذ مطلع هذا العام، تمّ إنقاذ أكثر من 22 ألف شخص بينهم نساء وأطفال، فيما لقي المئات حتفهم أو فُقدوا قبالة سواحل طرابلس وسط البحر الأبيض المتوسط، كما تمّ اعتراض سبيل أكثر من 7000 شخص في البحر وإعادتهم قسراً إلى معسكرات الاعتقال في طرابلس في الأشهر الستة الأولى من هذا العام.
المدير العام للوكالة الوطنية لحظر الاتجار بالبشر، بشير جربا محمد، قال: تمّ اكتشاف مزرعة في طرابلس يوضع فيها المهاجرون الأفارقة في أقفاص مثل الحيوانات، ووفقاً للمركز الدولي لإعداد التقارير الاستقصائية في أبوجا فإنه “يتم بعد ذلك أخذ أعضائهم الحيوية مثل العيون والكلى والرئتين وبيعها في السوق السوداء لخدمة الاحتياجات الطبية في أوروبا”.
في 13 أيلول الجاري، أثناء التصدي لمثل هذه الانتهاكات، اعتقلت قوات الأمن الليبية، الصومالي، حسن قيدي، المتهم بقيادة شبكة مختصة بالهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر. وبحسب النيابة العامة الليبية، فإن المعتقل متهم باختطاف، وتعريض عمال مصريين لمعاملة قاسية في مدينة العجيلات الليبية التي تبعد 100 كم عن طرابلس، إضافة إلى قتل المهاجرين عمداً، والاتجار بأعضائهم في السوق السوداء، والاعتداء الجنسي على عدد من النساء، فضلاً عن الابتزاز والانتهاكات والتعذيب. وفي أوائل أيلول أيضاً، أكدت النيابة العامة في ليبيا، أنها اعتقلت “مبارك الخزمي” الشخصية البارزة في تنظيم “داعش”، لتورطه في قتل وخطف أشخاص، وخاصة المهاجرين غير الشرعيين.
وبحسب وسائل إعلام إقليمية، غالباً ما يتمّ وضع المهاجرين غير الشرعيين الذين تمّ القبض عليهم في البحر مؤخراً، في سجون سرية، حيث لا يتعرضون للإذلال فحسب، بل يقعون فريسة للجماعات الإجرامية ويصبحون رهائن، كما يتمّ الاحتفاظ بهم أيضاً في ظروف غير إنسانية ويستخدمون كعبيد، وكثيراً ما يُستخدمون للاتجار بأعضائهم بشكل غير قانوني.
وبحسب تقارير لـ”أفريغيت نيوز”، نقلاً عن إدارة الأمن الإقليمي في الجفرة، أنقذت وكالات إنفاذ القانون الليبية هذا الربيع نحو 50 مهاجراً أفريقياً غير شرعي من سجن سري، حيث تمّ الإفراج عن الأسرى خلال مداهمة في بلدية الكفرة جنوب شرق البلاد على مقربة من الحدود المصرية، وتمّ تحديد موقع السجن بسبب هروب إحدى المهاجرات وإبلاغ وكالات إنفاذ القانون.
لهذه الأسباب، أعربت المتحدثة باسم المنظمة الدولية للهجرة، صفاء مشهلي عن مخاوفها من اختفاء عدة آلاف من اللاجئين المتجهين إلى أوروبا على الأراضي الليبية، وقالت: “نخشى أن ينتهي بهم الحال في أيدي الجماعات الإجرامية وتجار البشر”. وبحسب المنظمة، يوجد نحو 18 ألف مهاجر في ليبيا، تمّ إدراجهم رسمياً في عداد المفقودين.
لا تستبعد المنظمة الدولية للهجرة أن تحتجز الجماعات المسلحة مهاجرين غير شرعيين في سجونها السرية، بهدف ابتزاز عوائلهم لدفع فدية. وبحسب صفاء مشهلي، فإن خفر السواحل الليبي اعترض أكثر من 24 ألف مهاجر متجهين إلى أوروبا في البحر المتوسط حتى الآن هذا العام، منهم أكثر من 800 هذا الشهر.