دراساتصحيفة البعث

لا عجب في أن يتزايد غضب الفرنسيين

ترجمة وإعداد: عائدة أسعد

أثارت الشراكة الجديدة بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا والتي تحوز أستراليا بموجبها على غواصات تعمل بالطاقة النووية غضب الفرنسيين، ليس فقط بسبب خسارة صفقة خاصة بهم تمّ توقيعها في عام 2016 لبناء 12 غواصة بقيمة 56 مليار، ولكن -حسب مسؤولين فرنسيين- لأن الحلفاء المقربين تفاوضوا من وراء ظهورهم وخدعوهم.

وبشأن هذه القضية، اختار الرئيس إيمانويل ماكرون بشكل غير معهود التزام الصمت وتفويض التعبير عن الغضب العام إلى وزير خارجيته الهادئ جان إيف لودريان الذي بدوره أكد أن هذه الصفقة طعنة في الظهر وسلوك بايدن يذكّر بسلوك سلفه ترامب ولكن من دون التغريدات.

إن التداعيات أكبر بكثير من مجرد إلغاء صفقة تجارية، فقد كشفت هذه القنبلة الدبلوماسية عن وقاحة القواعد غير المكتوبة لمنافسة القوى العظمى والتي لا يمكن لفرنسا أن تلعب فيها ما لم تحمّل ثقل الاتحاد الأوروبي.

وفرنسا تعتبر نفسها قوة مقيمة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ وساحة معركة حاسمة للتنافس بين أمريكا والصين، لأنها تمتلك عدة جزر ولديها أربع قواعد بحرية هناك، وطوّرت إستراتيجيتها الخاصة للمنطقة في عام 2018 وهي تدفع منذ ذلك الحين الاتحاد الأوروبي للتوصل إلى مشروع مماثل.

لقد كانت أستراليا مفتاح الإستراتيجية الفرنسية، فإلى جانب بيع الغواصات توقّعت فرنسا إقامة شراكة معها من شأنها أن تضيف دعامة مهمة لوجودها في المنطقة، لكن هذه الخطة أصبحت بأكملها في حالة من الفوضى. ومن وجهة النظر الفرنسية فإن البرنامج الجديد الذي وضعه الأمريكيون في أستراليا ضخم جداً، ويشمل الأمن السيبراني والمعلومات الاستخباراتية بحيث لا يترك مجالاً لأية مبادرة أخرى، وخاصةً مع ورود معلومات أن فرنسا تتجه حالياً إلى الهند التي تتعاون معها بالفعل بشكل وثيق لإعادة بناء إستراتيجيتها الإقليمية.

إن إعادة تنظيم التحالفات التي تقوم به الولايات المتحدة في المنطقة شكّل صدمة قوية لحلفائها كما حصل بعد الانسحاب الكارثي من أفغانستان. كما أن النظام العالمي يتغيّر، والتحالفات تتزايد، ومنطقة “الأنغلو” التي تمّ إحكامها حول شبكة تبادل المعلومات الاستخباراتية للعيون الخمس التي تضمّ أمريكا وكندا وبريطانيا وأستراليا ونيوزيلندا تعيد تجميع صفوفها في جنوب المحيط الهادئ، وهذا لا يترك مساحة للأوروبيين على الرغم من أن لديهم مصالح مشتركة.

لقد حاول بايدن لمّ الشمل مع حلفائه الأوروبيين في مقر الناتو في بروكسل في حزيران الماضي، ودعا القادة لإعلان الصين خطراً أمنياً، واعترضت فرنسا وألمانيا بأن الصين ليست جزءاً من اختصاص المنظمة، والآن من أجل مواجهة هذا التحدي تمّ تنحية فرنسا جانباً.

لا يشك الفرنسيون في أن إدارة بايدن تتعمّد المناورة لتقسيم أوروبا -الحيلة القديمة للرئيس السابق دونالد ترامب– ولكن هناك أسئلة مهمّة على الولايات المتحدة أن تجيب عنها، منها: هل الشراكة مع بريطانيا ما بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي في هذه المرحلة الدقيقة من علاقتها مع الاتحاد الأوروبي وإهانة فرنسا تساهم في استقرار أوروبا ووحدة الغرب؟ وإذا كانت واشنطن تريد حقاً أن يتولى حلفاؤها الأوروبيون مسؤولية جيرانهم، فهل هي مستعدة لقبول مفهوم السيادة الأوروبية بما في ذلك المشتريات الدفاعية؟ وماذا تريد لمستقبل الناتو؟.

تتزايد الشكوك بين بعض أعضاء الاتحاد الأوروبي حول التزام أمريكا، وعليه سيحاول الفرنسيون الآن الضغط من أجل أوروبا أكثر استقلالية مع زيادة القدرات على العمل عسكرياً ودبلوماسياً. ويمكن القول من المستحيل أن يكون الفرنسيون شركاء أمريكا في علاقة أكثر توازناً في ظل إدارة بايدن.