نهج جديد؟!
أحمد حسن
كما هو متوقع كان، أردوغان أول، وأوضح، حالات الارتكاس المرضي الناجمة عن الاستدارة الأمريكية الكبرى نحو الصين، فالرجل الذي فشل بلقاء بايدن في نيويورك لمعرفة موقعه في المشهد الجيواستراتيجي الجديد، أو على الأقل للحصول على الصورة الرمزية الضرورية في هذه اللحظة الفاصلة بين عالمين، بدا غاضباً حائراً وهو يطلق سهامه اللفظية في كل اتجاه، وإذا كان بعضها، كالعادة، من النوع الذي يشعرك بالأسف على فقدان دولة إقليمية مهمة مثل تركيا البوصلة الصحيحة لمصالحها الحقيقية، إلا أن بعضها الآخر كان من نوع المضحك المبكي لرجل الموبقات الأول في المنطقة.
فالرجل الغاضب كان محقاً في اتّهامه الولايات المتحدة بدعم الإرهاب في سورية، لكنه كان مخاتلاً حين قصر كلامه على إرهاب دون آخر، مسقطاً، عمداً، شراكته الكاملة مع واشنطن في هذه الجريمة ووكالته عنها بتسهيل دخول جيش إرهابي أممي كامل إلى سورية وتحويل بلاده إلى “اوتوسترادات” مفتوحة لتنقلاتهم، ومصارفه لتمويلهم، وأراضيه للدعم والتدريب.
وعلى هذا المنوال قال الرجل الغاضب أول أمس كلاماً كثيراً أغلبه يصب في خانة النفاق التام، لكن أغرب ما ارتكبه في هذا المجال ادعاءه – وأسفه!! – أن سورية “تحولت إلى بؤرة تهديد في جنوب تركيا”!! وإنه يتوقع من روسيا خلال لقائه مع الرئيس فلايمير بوتين الأربعاء أن تسلك “نهجاً مختلفاً لإبداء التضامن مع بلاده” لأنه علينا، كما قال حرفياً، “خوض هذا الصراع في الجنوب معاً”!!
وبالتأكيد، هذا كلام لا يندرج إلا في سياق مسرح اللامعقول خاصة لصدوره عن راعي إرهاب موصوف و”لص حلب” الشهير وعن محتّل لجزء من أراضي سوريّة وساع علني إلى “تتريك” سكانها ثقافياً وسياسياً وإدارياً وتعليمياً تمهيداً لفصلها عن بلدها الأم وضمها لأراضي “الخلافة” الموعودة.
وبالتأكيد مرة جديدة هذا كلام رجل غاضب لكنه حائر أيضاً، فالرجل المعتاد على المظلة الأمريكية واللعب، ولو المشاكس أحياناً، في ظلها يجد نفسه يراقب بأسى أطراف هذه المظلة وهي تنسحب عن سماء المنطقة بأكملها، بل إن صاحبها لا “يشرّفه” بلقاء، ولو إعلامي لحفظ ماء الوجه، رغم خدماته السابقة وعروضه اللاحقة التي وصلت حتى كابول، ما يحتّم عليه، بالتالي، أن يذهب إلى سوتشي هذه المرة دون رعاية أمريكية، وأكثر من ذلك يذهب وهو يشاهد، ويلمس، جديّة سورية روسيّة في مسألة إنهاء “ولايته” التي أقامها في ادلب والشمال السوري بالقوة بعد أن فشلت روسيا في إقناعه بتنفيذ تعهداته المتعددة التي قدمها منذ عام 2018 في “سوتشي” ذاتها.
هنا نفهم سبب وهدف صراخه العالي – علّه يحسن أوراقه – لكن ذلك كله لن يعود عليه إلا بفائدة وقتية على الأكثر، فالعالم يتغيّر، وعدم لقائه وبايدن في نيويورك صورة معبّرة، ولقاءات وزير الخارجية “فيصل المقداد” الكثيرة والمتنوعة في ذات المدينة مع ممنوعين سابقين من لقائه صورة أكثر تعبيراً.
بيد أن الأمر الأهم الذي عليه أن يتوقف لقراءته جيداً، قبل سوتشي وخلاله، هو تأكيد المقداد من نيويورك أن “وجود القوات الأميركية في سورية غير قانوني وعليهم المغادرة في أسرع وقت ممكن”، و”إذا لم يفعلوا ذلك سوف ينتهي بهم الأمر كما هو الحال في أفغانستان أو أي بلد آخر”.
هذا كلام واضح لذلك على أردوغان – إذا فهم مغزاه – المسارعة أولاً، وقبل أي أحد آخر، لاتباع نهج جديد وإلا سيكون الخاسر الأكبر في المنطقة الجديدة.