سمر تغلبي: المفردات الجزلة ليست صعبة ولا تقترب من العامية
دمشق كانت حاضرة في المجموعة الشعرية الأولى للأديبة والناقدة سمر تغلبي الصادرة عن دار بعل، والتي جاءت بعد العديد من النصوص المتفرقة والقصص القصيرة وكثير من الإضاءات النقدية التي برعت بها تغلبي من خلال مشاركاتها بالمشهد الثقافي، ومؤخراً وقعت مجموعتها “مخاض إثم” في المركز الثقافي العربي (أبو رمانة) فكان معها هذا الحوار حول المجموعة ومسائل أخرى.
*لماذا اخترت هذا العنوان “مخاض إثم”؟ وما ضرورة اختيار مفردة “إثم”؟.
**العنوان هو عتبة الدخول إلى الديوان، وأحب أن يتميّز ببعض الغموض ليستفز القارئ للولوج إلى المضمون، و”مخاض إثم” مع أنه عنوان إحدى قصائد المجموعة، إلا أن القارئ سيصل إلى المعنى المراد حينما يمرّ بعتبة الإهداء “إلى كل يراع اقترف إثم الكتابة، أهدي مخاضي الذي تأخر وتعسر”. فالكتابة في زمننا الاستهلاكي إثم يدفع الكاتب ضريبته، فما بالك بالكاتبة؟ عندئذ ستدفع ثمناً مضاعفاً لقاء بوحها الذي يعبّر عن مكنونات كل أنثى.
*يوجد تنوع بالشكل الشعري بين التفعيلة والعمودي، فلماذا أبحرت بالوزن والقافية؟.
**الشعر ديوان العرب، فكيف يمكنه أن يكون كذلك إن لم يحمل موسيقاه وسماته؟ ولكن لا يعني هذا أن نقف عند حدود الموروث في شكل الشعر وتكوينه البنيوي، وإنما لا بد من الجنوح لما يتطلبه العصر من حداثة تتجلّى بالصور الشعرية المبتكرة والانزياحات اللغوية المدهشة، فضلاً عن الخروج عن الشكل التقليدي ذي الشطرين إلى شكل لا يُفقِد الشعر موسيقاه ولا تقطيعاته الخليلية، لتلبس القصيدة رداء التفعيلة وتعلن نفسها ابنة شرعية لقصيدة العمود.
*حظيت المجموعة بتنوع المضامين فكيف دمجت بينها؟.
**الديوان يضمّ ستاً وثلاثين قصيدة تنوعت أغراضها بين الوجداني والاجتماعي والفلسفي، وتماهى في بعضها العام والخاص، والذاتي بالوطني، ليعلن ذوبان الذات بالآخر، واتحاد الفرد بالفضاءات المحيطة به، لتولد الجملة الإبداعية بعد مخاضها من رحم واحدة مهما تنوعت.
*تمحورت مشاركاتك حول القراءات الشعرية والنقدية، إلى أي مدى استفدت من الإضاءة النقدية بتكوين عناصر القصيدة؟.
**مع أن اشتغال المبدع بالنقد قد يبعده عن الإكثار من نتاجه الإبداعي، إلا أن النتاج الفكري لهذا الاشتغال يعشّش في أعماق ذاته المبدعة لينعكس على مفرزات هذه الذات من نتاج، ولا يعني هذا أن المبدع ينظر إلى نصه لحظة الولادة بعين الناقد، فلو فعل ذلك لسقطت عنه سمة الإبداع، لكنه انعكاس الثقافة المتنامية على لحظة التجلي واقتناص الفكرة الإبداعية والتعبير عنها.
*أية قصيدة كانت فيها روح الذاتية؟.
**كل القصائد تقريباً هي مزيج من الذاتي والاجتماعي والفلسفي إضافة إلى الوطني، فما أنا إلا فرد في مجتمع، وحين أعبّر عن ذاتي فأنا أعبّر عن هواجس طيف واسع من أفراد هذا المجتمع، ولاسيما الهواجس الوجدانية، أو الهواجس الأنثوية في مجتمع ذكوري، أو الهواجس التي خلفتها الحرب، وأذكر هنا مثالاً على ما أقول: قصيدة “داري” التي جسدت فيها مشاعري لحظة عودتي إلى منزلي الذي اغتربت عنه سنوات بسبب الإرهاب.
*لماذا لم تفكري بكتابة رواية كونها تحتاج إلى روح الشعر؟.
**لستُ من فكرت بالرواية، لكن الرواية جاءتني تتهادى على بساط سحري من الخيال، لكني أعترف بأنني خنتها حين كتبت القصة القصيرة وهجرتها، جاءتني ثانية وثالثة وكررت الخيانة.
الرواية تحتاج إلى فراغ في الوقت والذهن، لاتقبل الشراكة أبداً، ولأنني لا أملك هذا الفراغ هجرتها، ولكن مازال المشروع قائماً وبانتظار الوقت المناسب لاستكماله.
*تتصف مفرداتك بالجزالة، فهل تبتعدين عن اللغة المعاصرة والاقتراب من القارئ؟.
**المفردات الجزلة ليست مفردات صعبة يصعب فهمها، وإنما مفردات قوية بعيدة عن الابتذال ولا تقترب من العامية التي يطلبها للأسف الكثير من جيل الشباب كشرط للقراءة. أنا أرى أن الأدب إن لم يكن قادراً على الارتقاء بذائقة القارئ ولغته فضلاً عن ثقافته فهو فائض على المكتبة العربية ولا فائدة ترتجى منه.
*لماذا اعتمدت على الاقتباس في قصيدة “عصي الدمع” وعلى لغة الموسيقا في “تقاسيم”؟.
**هذا سؤال يحمل طابع النقد، وبالتالي لا يُسأل لشاعر، ولكن إن نظرت بعين النقد قد أجيبك بأن القصيدة تحكي عنوانها، والعنوان يفرض ذاته في أحايين كثيرة، وأنا وإن احترت في اختيار عناوين الكثير من القصائد، فإن هذين العنوانين أتيا بسلاسة ويسر من وحي النص، فالنص الأول بكائيّ نوعاً ما ولكن بلا دموع، بينما الثاني يمثل الشطر الشعري الذي يقول: “الطير يرقص مذبوحاً من الألم” فالتقاسيم ليست إلا جنائزية على عتبات جرح نازف.
*لماذا ابتعدت عن قصيدة النثر؟.
**لم أبتعد عن قصيدة النثر بقرار مني، ولكن موسيقا الشعر تفرض نفسها على النص، فيأتي عمودياً أو تفعيلياً وقد يأتي نثرياً. ولديّ بعض النصوص النثرية التي أحبها وأعتز بها، ومن الممكن أن أصدر مجموعة نثرية في المستقبل، لكن الغلبة لديّ للإيقاع الشعري الخليلي.
*يوجد تضاد في قصيدة “ضجيج الصمت”، فهل أنت مع استخدام هذا الأسلوب في الصورة الشعرية؟.
**التضاد أحد أساليب الكتابة الإبداعية التي تعطي الصورة الشعرية ألقها، وليس غريباً أن يأتي هذا التضاد في عنوان إحدى القصائد.
ملده شويكاني