هكذا صورة الكيان المغتصب
محمد نادر العمري
بعد عدوان حزيران 1967، تشكّل لدى القيادات السياسية والعسكرية الصهيونية مقاربة مفادها أن على الكيان الإسرائيلي اللجوء لخطط بديلة لتحقيق أهدافهم الاعتدائية، وهذا السياق تبلور بشكل واضح في فترة التسعينات بعد فشل عمليتي “تصفية الحساب” و”عناقيد الغضب”، عامي 1993 و1996 على التوالي، حسب التسمية الإسرائيلية. وزاد اللجوء لهذا السلوك التكتيكي بعد إجبار جيش الاحتلال الصهيوني على الخروج المذلّ من الجنوب اللبناني في أيار 2000، نتيجة الضربات الموجعة للمقاومة، قبل أن ينسحب بصورة مذلّة مرة أخرى من غزة عام 2005.
لقد جرت محاولة الالتفاف على الفشل المروّع للكيان الصهيوني في كلا العدوانين بالبحث عن خطط بديلة، والمسارعة لطرح مشاريع ما سُمّي بالخط الأزرق مع لبنان ومحاولة خلق حالة توتر مع سورية عبر ادّعاء ملكية مزارع شبعا لسورية وليس للبنان في محاولة صهيونية واضحة لإيقاف فعل ونشاط المقاومة وتفنيد حاجة بقائها وتسليم سلاحها للجيش اللبناني.
ولخدمة ذلك سارعت القوى اللبنانية الحليفة لتل أبيب في لبنان لممارسة الضغط السياسي والاجتماعي على المقاومة عبر ما سُمّي بطاولة الحوار.
وفيما يتعلق بالانسحاب من غزة، حاول حينها رئيس الوزراء أريئيل شارون طرح مبادرة ارتبطت باسمه تضمّنت فرض حصار على القطاع من قبل الكيان، وتفعيل التعاون الأمني مع السلطة في محاولة لإحداث صراع وانقسام داخلي فلسطيني.
وهذا النوع من التكتيك تمّ توظيفه في التعامل مع الملف النووي للجمهورية الإسلامية الإيرانية، ومن خلفه برامجها الصاروخية الدفاعية التي باتت تشكّل حالة رعب بالنسبة لمرتكز الأمن القومي الصهيوني.
وضمن هذا السياق سعى الكيان الصهيوني بالدرجة الأولى لدفع الولايات المتحدة الأمريكية لخوض حرب نيابة عنها مع إيران منذ إدارة الرئيس باراك أوباما، وحاولت الوقوف أمام الاتفاق الذي وقع في عام 2015 والذي عُرف باتفاق 5+1، ومع تولي إدارة الرئيس دونالد ترامب للحكم زادت ميول تل أبيب ونخبتها العسكرية والسياسية للعدوان لولا ما أظهرته إيران من مقدرات ردعية دفاعية وإمكانات هجومية، لذلك انتقل الكيان الصهيوني لسيناريو آخر من الحروب تمثل فيما عرف بإنشاء ما سُمّي بـ”ناتو” عربي يضمّ أمريكا والكيان الصهيوني وبعض دول الخليج بهدف تكرار حرب الخليج الأولى واستنزاف إيران.
أما المسعى الثاني الذي تبنّته تل أبيب فهو محاولة تغيير نظام الحكم من الداخل عبر دعم جهود المعارضة المصطنعة في الدول الأوروبية، وتحريك الداخل الإيراني عبر تغذية الضخ الإعلامي وتشويه صورة النظام عبر حروب الجيل الرابع، مستغلة تردي الأوضاع الداخلية نتيجة الحصار الاقتصادي. وهو ما أكده سفير الكيان الصهيوني في الولايات المتحدة “ميخائيل هرتسوغ” عندما سئل في بداية استلامه مهامه في الشهر التاسع من عام 2021، عما ستفعله حكومته الاحتلالية من أجل التخلّص من القيادة الإيرانية في ظل توجّه إدارة بايدن لإحياء الاتفاق النووي معها فأجاب: “في النهاية سنظل نعمل على إنهاء وجود هذه القيادة في إيران ونغيّر النظام الحاكم هناك بوساطة الداخل الإيراني”.
بالمجمل ما نريد توضيحه أن التفوق العسكري والسياسي والتكنولوجي الذي طالما تغنّى به الكيان المغتصب، والذي سعت الحركة الصهيونية لتكريسه على مدى عقود لفرض نفسها في المنطقة ككيان متفوق يفرض شروطه ومشاريعه، لم يعد يجدي. ولجوء حكومات الاحتلال المتعاقبة لحروب الوكالة أو النيابة أو غيرها من أنواع الحروب الهادفة للتدمير الداخلي، هو مؤشر وإقرار بعدم قدرتها على فرض مشاريعها عسكرياً، وهو ما نبّه إليه الكثير من المفكرين اليهود بالقول: “إن بداية هزائم إسرائيل عسكرياً ولجوئها لحروب سياسية وإعلامية يعبّر عن افتقادها لمقومات البقاء والاستمرار”.