“امرأة متمردة” سحرية الواقع وروعة المتخيل
أجمع المشاركون في الندوة التي عقدها مؤخراً اتحاد الكتّاب- فرع دمشق وأدارها د. إبراهيم زعرور على أن المثلث الذهبي للروائي سهيل الذيب قد اكتمل بروايته “امرأة متمردة” بعد رائعتيه “زناة” و”آثام”، أما الذيب فقد أوضح في كلمة له في بداية الندوة التي شارك فيها الناقد د. عبد الله الشاهر والناقدة أمل أبو لوح والكاتب حامد العبد والأديبة ماجدة البدر أن ما يربط الروايات الثلاث الاعتماد على فكرة التقمص، فالشخصيات التي قُتلت في روايته الأولى قام بإحيائها في الروايتين الثانية والثالثة.
الحب والحرب
ورأى د. عبد الله الشاهر أن “امرأة متمردة” رواية وطنية بامتياز، رصدت ما دار في سورية من أحداث، وصوّرت الواقع بأمانة ومزجتْ بين الحب والحرب من خلال بطلة الرواية التي كانت السارد في كل أحداثها وتفصيلاتها، مؤكداً أن الرواية بشكل عام غابة ملتهبة من الأحداث، تسيّدتها الحرب وتناسلتْ عنها كلّ الحكايات، وقد لازمها الحبّ في كلّ مراحلها بعيداً عن أي اعتبارات، حيث تناولته الرواية من خلال شخصيات في مقتبل العمر، فعرضت تفاصيل تبرز واقعه المليء بالفرح حيناً والتعاسة حيناً آخر، إلى جانب غوص الكاتب في عمق النفس البشرية والعلاقات الأسريّة والمجتمعية التي تبجّل الفتى على حساب الفتاة، ومن هذا المنطلق كان تمرّدها على أسرتها وعلى المجتمع بتقاليده المجحفة وغير العادلة، مبيناً أن الذيب قدّم لنا إسقاطاً على الواقع المجتمعي المعاش من حيث تفضيل الفتى على الفتاة، ومن حيث الدين والعادات والتقاليد والحب الممنوع، وقد قدم كلَّ ذلك وهو يتكئ على لغة واقعية لم تذهب إلى اللفظ الإيقاعي بل إلى اللفظ الحكائي المشوّق ولغة تعبيرية جزلة خالية من التعقيد مع ما فيها من عفوية واضحة وصادقة، مستخدماً الكاتب مفرداته من السهل الممتنع البعيد، فهو لا يريد إظهار مواهبه اللغوية مع أنه يمتلكها بقدر إيصال الفكرة المبسّطة لتصل لكل قارئ مهما كانت درجة ثقافته، وهذه أيضاً تُحسب للكاتب. ونوّه الشاهر كذلك بلغة السرد التي منحت السرد طاقة واسعة الطيف وسلاسة في الأسلوب والقدرة على ترابط الرواية في موضوعاتها وأحداثها، وقد منح الذيب -برأي الشاهر- متعة الوصف لاستنطاق ما يدور في أعماق الشخصيات، فأودع في ذواتهم ألفاظاً تسهمُ إسهاماً بليغاً في الحدث، بحيث تأبى أن تكون مجرد حشو لفظي في مسيرة السرد، مستغلاً كل فضاءات الطبيعة لإتمام نظرته، وهي نظرة مليئة بالتناقض بين الأمل واليأس والخيبة والفرح، ليصبح المحيط مشغولاً بأحداث ورغبات تتفجر في دواخل الشخصيات العشرينية.
وختم الشاهر كلامه بالإشارة إلى توظيف الكاتب الجميل للخيال، بحيث جعل الخيال في هذه الرواية جزءاً من السرد الروائي، إلى جانب استخدامه للأسطورة.
الأنا الأنثوي
ووجدت أ. أمل أبو لوح أن المعنى العميق لـ”امرأة متمردة” هو دعوة صادقة من إنسان صادق متصالح مع نفسه، يطلب فيها من الرجال أن يحرّروا المرأة التي تقبع فيهم منذ البدء، ويحاولون التعتيم عليها كي لا يظهروا بمظهر الضعف أو الرقة، ورأت أنها دعوة من الكاتب الإنسان للتحرّر كي لا يبقى الإنسان عبداً، فلا يمكن للطير أن يحلّق بجناحٍ حرّ وآخر مقيّد، مشيرة إلى أن الكاتب رسم الحياة في هذه الرواية في رحم الأم وكيف عاش فيها التوءم ماغي وجمال اللذان تقاسما لذائذ العيش بالتساوي في بطن أمهما، لكن بطلتنا حين أدركها الوعي صُدِمت بالتباين في المعاملة بينها وبين توءمها، فصوّر الكاتب هواجسها وشعورها بالدونية، ومن ثم إصرارها على تحدي المجتمع المتخلّف وشق طريق حريتها وكفاحها وتمردها على كل ما يُعيق نجاحها وتطورها وارتقاءها، وقد فعل الكاتب ذلك مازجاً بين سحرية الواقع وروعة المتخيّل بأسلوب أدبي خلّاب، مستخدماً ضمير الأنا الأنثوي، وهذا الأمر برأيها يُحسب له، فخوضه في هذا السياق ليس بالأمر السهل، لكنه أنجز الصعب بانسيابية فائقة وكأنه تقمّص الأنثى التي تقبع في داخله منذ بدء تكوينه الجنيني.
نموذج فريد
وبيّن أ. حامد العبد أن “امرأة متمردة” كانت بحق امتداداً لروايتَي الذيب السابقتين “زناة” و”آثام” ولكن من الناحية الفكرية والتوثيقية، وأعماله المذكورة أشبه بمنحوتة واحدة أعاد الذيب صقلها بحرفية مرهفة حافظت على خامتها الأساسية المتمثلة بثالوث القهر والذل والغضب، وهذا ما دفع بأدبه الروائي إلى مواقع الأزمة الوطنية التي عانى منها أبناء الوطن وجعل منه شاهداً ومحرضاً في الوقت نفسه، الأمر الذي حدا بخطابه الروائي لأن ينطوي على خطاب سياسي بين ثناياه، ومن هنا أوضح العبد أن أحداث الرواية دارت حول محورين، أولهما الحرب، وثانيهما حياة البطلة الخاصة ونضالها لنيل حقوقها الإنسانية، طارحاً الكاتب من خلالها نموذجاً فريداً من نوعه بين نساء مجتمعنا العربي، وهي شخصية نسوية إيجابية تجسّد فكرة صدامية مع كل مسلّمات المجتمع الذي نشأت فيه، معلية بذلك من شأن الإرادة ومعنى الطموح.
الصحفي الصادق
وتحدثت أ. ماجدة البدر في مشاركتها عن عمل الذيب في الصحافة، مؤكدة أنه كان مثالاً للصحفي الصادق المخلص لعمله، لذلك خصّص جزءاً من روايته للحديث عن الصحافة في بلدنا وكيف تعاملتْ مع الأزمة التي ألمّت بوطننا من خلال سعي الإذاعات المعادية إلى نشر الأخبار التي تحطّ من معنويات المواطن السوري وتقلّل من عزيمته وتضعف من معنوياته، فالبطلة تعمل مراسلة في صحيفة محلية وقد بدأت العمل الميداني في تغطية صحفية لمجريات الأحداث علّ مقالاتها تستطيع -ولو جزئياً- نشر قليلٍ من الوعي وهي التي كانت ترى أن حربنا إعلامية بالدرجة الأولى، وأن إعلاماً لا يكون صادقاً مع الناس سيجعل الناس يواجهون مجموعة من الذئاب الجائعة في ظل وجود مئات المحطات الفضائية التي تنفث سمومها والمطلوب مجابهتها بالصدق والشجاعة والخبر السريع العاجل والعلم والاتّزان والمجابهة بالصورة الدقيقة: “لا بأس بمجابهة الكذب بالكذب أحياناً إلا أن لمواطننا الحق علينا في الحصول على المعلومة الصادقة غير المحرفة وإلا فنحن نخدعه، ويجب أن يثق بنا مواطننا أولاً، فلا يجوز أن يسمع أخبار بلده من محطاتٍ معادية، سيضيع حينها ولا يعرف لمن يلتجئ”. وأشارت البدر إلى أن الرواية رصدت أهم مجريات الأحداث في سورية، وكان الأسلوب مشوقاً ومحفزاً على القراءة، ويسعى الكاتب من خلالها إلى بناء مجتمع يعيد للإنسان إنسانيته وسموّه.
أمينة عباس