أقـل مـا يـقـال.. أغلبكم جزءٌ مما نعانيه..!.
“البعث الأسبوعية” ــ حسن النابلسي
سباق محموم من التصريحات تشهدها وسائل التواصل الاجتماعي هذه الأيام.. أبطالها ممن يصنفون أنفسهم ضمن خانة رجال الأعمال، يؤكدون من خلالها أن ما يُشاع عن هجرة عدد كبير من الصناعيين والتجار وتحديداً إلى مصر، ما هو إلا حديث مبالغ فيه، ولا يخرج عن سياق التسييس الإعلامي المعتمد من قبل من يتأبط شراً بالاقتصاد الوطني.. وليثبتوا – عبر تصريحاتهم هذه – مواقفهم الوطنية، وانتمائهم إلى بلد لا يجوز تركه في مثل هذه الظروف الاستثنائية..!.
لهؤلاء نقول: إن أغلبكم كان مصدر ما اعتبرتموه “إشاعة مغرضة”، ولا نعتقد أن هناك من يشكو من تدهور الوضع الاقتصادي أكثر منكم.. فأنتم أكثر شريحة لها مطالب، ليس في أوقات الأزمات فحسب، بل في أوقات الرخاء الاقتصادي أيضاً.. ولقد كنا شهود عيان في العديد من الاجتماعات الرسمية التي ترأسها رئيس الوزراء أو الوزراء المعنيون، وكيف أن بعضكم طالب بفتح باب الاستيراد على مصراعيه دون أدنى مبالاة بمنعكسات مثل هذا المطلب على البنية الإنتاجية في بلد أحوج ما يكون حتى لمشروع متناهي الصغر، وذلك بما يتماشى مع مصالحه الضيقة لجهة تضخيم ثروته القائمة بالأساس على المشاريع الريعية وليست الإنتاجية.. هذا أولاً..!.
أما ثانياً أيها السادة.. يا من أبديتم غيرتكم على الاقتصاد الوطني في لحظة ما.. فأغلب الظن إن لم تكونوا أنتم وراء ما تم الترويج له من هجرة الصناعيين والتجار ورؤوس الأموال.. فأنتم تستثمرون هذا الموقف – بغض النظر عن صحة هذه الإشاعة من عدمها – لتضعوا الحكومة والجهات المعنية على محك الاستجابة لمطالبكم والحصول على المزيد من الامتيازات، وذلك عبر توجيه رسائل غير مباشرة بأن الهجرة ستتحقق في حال عدم تلبية هذه المطالب..!.
كان الأجدر بكم إن كنتم صادقين بالولاء والانتماء، وبما أبديتموه من غِيرة على الاقتصاد الوطني، القيام بمبادرة حُسن نية لجهة توجيه بوصلة أموالكم إلى المشاريع الإنتاجية، أو على الأقل الكف عن المضاربة بسعر الصرف في السوق السوداء، وقد سبق للمصرف المركزي أن أشار بالبنان إلى أنكم لا تنامون قبل أن تحولوا “ليراتكم إلى دولار”..!.
نجزم أن الظروف الضاغطة لم تؤثر على مستوى معيشتكم ورفاهيتكم.. بل كنتم جزءاً منها نظراً لاعتمادكم مبدأ أن التجارة “ربح وربح”، وليس “ربح وخسارة”، وما شعاراتكم التي سقتموها عبر تصريحاتكم المنمقة والمتمحورة بالدرجة الأولى حول “دعوتكم لتحمل هذه الظروف والتي لا تعدو أن تكون سحابة صيف عابرة”، إلا مردودة عليكم، فأنتم لا تفوتون أية فرصة إلا وتتحدثون في هذا الشأن بما يخدم مصالحكم..!.
بالتأكيد هناك رجال أعمال بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، ممن يقرنون القول بالفعل، ولكن للأسف باتوا ندرة.. وما ذكرناه آنفاً لا ينسحب عليهم، وإنما على من يستغل كل مناسبة لإبعاد الشبهات عن مسلكه.. قبل ثروته..!.