الندوة الوطنية للترجمة في يومها الثاني
تابعت الندوة الوطنية للترجمة المقامة في مكتبة الأسد أعمالها لليوم الثاني، ووزّعت محاور الندوة التي حملت عنوان “التجربة الوطنية السورية في الترجمة” على جلستين أدار الأولى د. وائل بركات والثانية كانت للدكتور فؤاد خوري.
علم وفن ومهارة
لطالما دأبت جامعة دمشق منذ نشأتها على الاهتمام بالترجمة، وتطوير المهارات، تلبية لاحتياجات سوق العمل، ولا بد أن تكون الترجمة ذلك الجسر الذي يربط الجامعة بالمجتمع ويرفده بطلاب يتميّزون بقدراتهم ومهاراتهم، ومنها مهارة الترجمة، هذا ما أكد عليه د. باسل المسالمة في مشاركته بعنوان “دور جامعة دمشق في مجال الترجمة” معتبراً أن الترجمة “علم وفن ومهارة”، ولفت إلى أن الترجمة هي “السبيل للاطلاع على ثقافات الأمم الأخرى، ولا شك أنها تؤدي دوراً مهماً في تاريخ الشعوب، ولها دور كبير في إثراء الفكر”.
ورأى المسالمة أن الترجمة حاملة الثقافة والتطور، وحامية التراث الفكري والثقافي، وضرورية لتنمية حركة الاقتصاد في العالم، وعدّ المترجمين ذوي المهارات العالية “مفتاح التطور”.
الترجمة وسوق العمل
وعن دور المعهد العالي للترجمة والترجمة الفورية، استعرض عميده د. فؤاد خوري تاريخ إنشائه وأهدافه، والاختصاصات الموجودة فيه، ودرجات الماجستير التي يدرسها ويمنحها، إلى جانب ما يقدّمه كإضافة إلى سوق العمل، إذ إنه يؤهل المترجمين ليعملوا مباشرة، ذلك أن الماجستير تأهيلي وليس أكاديمياً. كما تحدث عن التجهيزات المتطورة جداً في المعهد، وعن كفاءة المدرّسين والخطط المستقبلية، وأوصى بإحداث مؤسسات تعليمية على غرار المعهد العالي للترجمة في المحافظات السورية الأخرى، تخفيفاً لمعاناة الطلاب الذين يصعب عليهم القدوم إلى دمشق، كما اقترح تأهيل المدرّسين داخل البلاد، للتعويض عن النقص الكبير في الكادر بسبب هجرة المدرّسين أو عدم عودة من يجري تأهيلهم في الخارج.
المترجم والناشر
د. زبيدة القاضي تحدثت عن “الترجمة بين المترجم والناشر”، من خلال تجربتها الشخصية في ميدان الترجمة، واعتبرت أن الترجمة “شبيهة ببناء الطرق، فهي تنشئ جسوراً بين الثقافات المتنوعة”، وتحدثت عن أهمية الترجمة في التقارب وإنشاء الحوار بين الشعوب، وعن مقومات الترجمة والمعوقات التي تعترضها، لافتة إلى أن من “المشكلات التي تعترض المترجم هي علاقته مع الناشر، وهو الركن الخامس في نشر الكتب”. ودعت القاضي زملاءها المترجمين إلى التعامل والتعاون مع الهيئة العامة السورية للكتاب، لأسباب منها: الحفاظ على حقوق المترجم، وجود إصدارات مهمّة وطباعة جيدة، الأسعار الزهيدة للكتب وسرعة توزيعها وانتشارها.
واقع التدريس
وتحدث د. عدنان عزوز، عميد كلية الآداب في جامعة قاسيون الخاصة، عن واقع تدريس الترجمة في الجامعات الخاصة، إذ بيّن أن مادة الترجمة من المواد التي يجري التركيز عليها لما توفره من فرص عمل للخريجين، بالإضافة إلى إمكانية متابعة دراساتهم العليا في هذا المضمار، واستعرض المقررات التي تدرّس وما تمنحه للطالب من إمكانات تؤهله للخوض في سوق العمل.
وأضاف عزوز: “على الرغم من الأهداف التدريسية الطموحة في الخطط التدريسية لهذا الاختصاص، أثر واقع سورية الراهن في واقع الترجمة ممارسة وتعليماً لأسباب عدة”، ذكر من بينها: غياب التطبيق العملي لمهارات الترجمة، والافتقار إلى المخابر اللغوية المؤهلة، وتسرّب عدد كبير من الاختصاصيين في الترجمة التخصصية، وغياب وجود المناهج التخصصية.. وغيرها.
ترجمة روح النص
لم يعد الاهتمام بترجمة المسرح كافياً، وخاصة مع تطور المسرح وظهور تيارات جديدة في الكتابة والإخراج، وهناك فجوة حقيقية خاصة فيما يتعلق بترجمة النصوص المعاصرة، ولا تزال الترجمة المسرحية قليلة قياساً إلى الترجمة في التخصصات الأخرى، هذا ما تحدثت عنه د. ميسون علي أستاذة المسرح المعاصر، وذكرت في مشاركتها “ترجمة المسرح في سورية بين الواقع والمأمول” إحدى أهم الصعوبات التي تواجه المترجم في ترجمة المسرح هي ما بين الترجمة الحرفية والترجمة لروح النص، فيجب أن يكون هناك توازن، لأن الترجمة الحرفية قد تبقي المعنى غامضاً، لذلك يجب على المترجم أن يلتقط الروح الموجودة في النص.
ومن المقترحات التي قدّمتها علي: إيلاء الترجمة المسرحية اهتماماً أكبر وإحداث مركز قومي، وأن يكون لترجمة المسرح حيّز أكبر ضمن خططه ومشروعه الثقافي التنويري، والاهتمام بإصدار سلسلة شهرية للنصوص المترجمة، كما يجب على دور النشر السورية توفير زخم جديد لحركة ترجمة الأعمال المسرحية من خلال الارتقاء بها كماً ونوعاً.
عقبات ومقترحات
ويقف أمام حركة الترجمة في سورية عدد من المعوقات التي تمنع المترجم من الاستمرار إلا إذا كان صاحب رسالة، هذا ما تحدث عنه د. أحمد عبد الكريم شعبان في محاضرته “العقبات التي تعترض عمل الترجمة في المؤسسات العامة والخاصة سورية أنموذجاً”، حيث يرى أن أهم المعوقات هي الأجور التي يمكن وصفها بالمخجلة لأنها لا تساوي جزءاً يسيراً من عمل المترجم المرهق، الأمر الآخر هو عدم وجود تجمع يضمّ المترجمين العرب وليس السوريين فقط من أجل توحيد المصطلح فالقارئ واحد، بالإضافة إلى عدم تطور أساليب الترجمة.
من أهم المقترحات التي قدّمها شعبان: إعادة ترميم الكوادر الأكاديمية القائمة في أقسام اللغات الأجنبية، إعادة النظر بالمناهج الدراسية في المراحل الدراسية الجامعية الأولى، الارتقاء بمستوى الأجور والجدوى الاقتصادية من العمل في حقل الترجمة، توسيع مجالات الترجمة إلى العديد من اللغات الأخرى في العالم غير اللغات الأساسية.
تجربة فريدة
وأحبّت المترجمة آلاء أبو زرار أن تشارك الحضور بتجربتها الشخصية في علم الترجمة من وإلى اللغة الفرنسية، حيث تحدثت عن الطرق والخيارات التي سارت بها إلى هذا المجال والصعوبات والتحديات التي اعترضت طريقها، وذكرت في محاضرتها التي كانت بعنوان “تجربة فريدة في الترجمة” بعض النصائح والتوصيات المهنية للمهتمين بالترجمة وللراغبين في جعلها مساراً في حياتهم المهنية مستقبلاً، منها: ينبغي على من يريد أن يصبح مترجماً ألا يحصر الترجمة في الإطار المهني فحسب، بل يتوجب عليه أن يعتبرها هواية وممارسة يومية تجلب له المتعة أكثر من مجرد عمل جاف قد ينطوي على شيء من الرتابة والملل، وعلى المترجم أن يقرأ ويتعلّم ويطور لغته الأم واللغة الأجنبية، ويطلع على كل جديد من تقنيات وبرمجيات وأن يكون على دراية بكل الأخبار الرائجة، ومن النصائح أيضاً عدم العشوائية في العمل، فعلى المترجم أن يحدّد في بداية مسيرته على الأقل المجال الذي يريد الترجمة فيه سواء الأدبي أو العلمي أو غيره من أنواع النصوص.
واقع وشجون
وهل الترجمة في مؤسّساتنا السورية العامة والخاصة بخير؟.. بهذا السؤال بدأت المترجمة ثراء علي الرومي، حيث أشارت في محاضرتها “الترجمة في سورية: واقع وشجون” إلى الحاجة الملحة لوجود دليل جامع أو كتيب دورة في مؤسساتنا العامة قبل الخاصة لمواكبة فورة المصطلحات وتطور التكنولوجيا، بالإضافة إلى مشكلة الأجور التي تواجه المترجم السوري.
ومن التوصيات التي ذكرتها الرومي: السعي الحثيث لترجمة حلم إقامة ورشات الترجمة، النظر في مسألة رفع تعرفة الترجمة، الحرص على إصدار كتيب يتضمن أحدث المصطلحات، تحصيل حقوق الترجمة للكتب الصادرة عن هيئة الكتاب أو أية مؤسّسة أخرى في قائمة الأولويات.
علاء العطاء- عُلا أحمد