سردية صهيونية لطمس تاريخ فلسطين
سمر سامي السمارة
على الرغم من تمكن الأسرى الفلسطينيين من تحرير أنفسهم من معنقل “جلبوع” شديد الحراسة، إلا أنهم وجدوا عالماً لا يهتم بهم وبقضيتهم، فلم تتقدم أية دولة في العالم لإنقاذ هؤلاء الرجال الشجعان فبقوا دون ملاذ آمن، إلى أن تم القبض عليهم مجدداً.
في كل يوم تقريباً يتم إحياء ذكرى مجزرة، أو استشهاد طفل أو تدمير منزل أو قرية، ما يدفع المرء للاعتقاد بأن الرواية الفلسطينية هي قصة موت ودمار، وهو ما تريد “إسرائيل” ترويجه، لكن الحقيقة مغايرة لذلك تماماً. فالرواية الفلسطينية هي قصة تاريخ مجيد تتخلله فترات حزن ومأساة شديدين، عكس الرواية الصهيونية المليئة بالقتل والسرقة والدمار.
صادف 16 أيلول 2021 الذكرى السنوية الـ 39 لمجزرة “صبرا وشاتيلا”، التي أودت بحياة آلاف المدنيين العزل، وبعد كل هذه السنوات، لا يستطيع المرء أن يذكر هذه المجزرة، دون أن يتذكر الرجل الذي وقف وراء حمام الدم هذا.. كان رجلاً لا تستطيع حتى السلطات “الإسرائيلية” تجاهل تواطؤه، إنه رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، ومجرم الحرب المعروف، أرييل شارون. وعلى الرغم من إبعاده المؤقت عن السياسة، إلا أنه عاد بسرعة كبيرة، وطوال ربع قرن، كان الرجل الأقوى والأكثر نفوذاً في السياسة “الإسرائيلية”.
السرديات
في نهاية المطاف، يتعلق الأمر برمته بالسرد، حيث تقوم “إسرائيل” بفعل كل ما بوسعها لمحو الرواية الفلسطينية وضخ روايتها الأسطورية الزائفة. حيث تسود الرواية الصهيونية الكاذبة وسائل الإعلام، والأفلام و الأدب، والتعليم العام و السياسة، ويواجه معارضو العنصرية والعنف مهمة صعبة عندما يسعون لعكس السرد المزيف.
على مدى المائة عام الماضية، تمكنت الحركة الصهيونية من تحويل التاريخ المجيد لفلسطين إلى هامش تاريخي، واستبداله بقصة أسطورية تعتمد بشكل كبير على التفسير اليهودي للعهد القديم، والذي يسمح لها بإنشاء ما يعرف باسم “تاريخ العودة”. بعبارة أخرى، تخلق النسخة الصهيونية من تاريخ فلسطين انطباعاً بأن اليهود عادوا إلى وطنهم القديم بعد 2000 عام، ما جعله “حدثاً تاريخياً وغير مسبوق”، طغى على أي شيء آخر حدث في فلسطين على مدى الألفية الثانية.
ويهدف السرد الصهيوني لتحويل التاريخ القديم لفلسطين إلى قصة صغيرة غير مهمة لا يمكن مقارنتها بـ “عظمة” السرد الذي قدمه العهد القديم، ويبدو ذلك واضحاً، عندما يشير السياسيون الإسرائيليون مثل رئيس الوزراء الحالي” نفتالي بينيت” إلى العهد القديم على أنه مصدر لشرعنة “إسرائيل”.
أربعة آلاف عام من التاريخ
يعود استخدام اسم فلسطين لـ 4000 عام تقريباً، وقد تم استخدامه في المصادر المصرية التي تعود إلى العصر البرونزي، أي لأكثر من 1000 عام قبل الميلاد. وفي وقت لاحق، استخدم الآشوريون الاسم في نقوش من تلك الحقبة.
وعندما قام المؤرخ اليوناني هيرودوت الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد، والذي يعتبر أبو التاريخ، بزيارة البلاد ذكرها باسم فلسطين، كما يشير العالم والفيلسوف اليوناني أرسطو أيضاً إلى فلسطين بالاسم في كتاباته.
تتسم مدن اللد والرملة ويافا بتاريخها الرائع، وكذلك مدن عكا وحيفا ونابلس وغزة والقدس، فطوال فترة الحكم الإسلامي لفلسطين، تطورت المدن، وازدهرت الثقافات، وسمحت الظروف الاقتصادية والتجارة مع أوروبا للناس بالازدهار.
كما يُنظر إلى ظاهر العمر الذي حكم أجزاء كبيرة من فلسطين خلال القرن الثامن عشر، على أنه الأب المؤسس للحداثة الفلسطينية، وبحسب المؤرخ الفلسطيني، نور صالحة، كان الشخصية الأكثر تأثيراً في التوجه الحديث لفلسطين نحو البحر الأبيض المتوسط، فخلال فترة حكمه في فلسطين، ظهرت ابتكارات زراعية وتقنية “كما أفاد غالبية الفلاحين الفلسطينيين”. وبفضل ظاهر العمر ، كان هناك نمو كبير في تصدير القطن وزيت الزيتون والقمح والصابون.
كما ازدهرت أجزاء أخرى أقل شهرة من فلسطين عبر التاريخ، مثل بلدة الخالصة، التي أسسها الأنباط العرب في القرن الرابع، والتي قامت الميليشيات الصهيونية بتدميرها وإخلائها من سكانها عام 1948. ومن المعروف أنها تقع على ما يُطلق عليه “طريق البخور العربي”، وبحسب “نور مصالحة” كانت المدينة التي تقع جنوب غرب مدينة بئر السبع، في ظل الحكم العربي الإسلامي، مركزاً حضرياً رئيسياً.
وبحسب الباحث في مجال العلاقات الدوليّة والسياسة في الشرق الأوسط، “منصور النصاصرة ” كان البدو الفلسطينيين في النقب يصدرون كميات كبيرة من الشعير إلى إنكلترا، والآن أصبحت معظم هذه الأراضي خالية من السكان، ويُحظر على البدو الفلسطينيين في النقب زراعة أراضي أجدادهم، ما يجعل ادعاءات الصهاينة بأنهم أتوا إلى أرض قاحلة وجعلوها تزهر ادعاءات زائفة.
من المؤكد، أن الرواية الصهيونية مسؤولة عن الموقف المتخاذل الذي يتخذه العالم بأسره تجاه الجرائم الفظيعة التي لا تغتفر، والتي ارتكبتها “إسرائيل” منذ احتلالها لفلسطين عام 1948.
لذا، لمنع المجازر التي تتعطش “إسرائيل” لارتكابها، دون أي وازع إنساني، في ظل صمت دولي مطبق، لابد لمعارضي العنصرية والعنف الصهيونية، عكس السرد ونزع الشرعية.