الصرخة ضوء الصمت
غالية خوجة
لم تكن صرخة الفنان النرويجي “إدوارد مونش” لوحة فقط، بل كانت صرخة مؤلمة أرعبت الطبيعة انطلاقاً من الجسر والماء، مما جعلها لوحة نادرة لم يولها النقاد أهميتها المناسبة كما فعلوا مع موناليزا دافنشي.
الصرخة بحد ذاتها تتألف من نصوص بصرية ولونية وكلامية صامتة وصائتة ونفسية واجتماعية ومكانية وزمانية.
هذه الصرخة التي أطلقناها معاً أثناء الحرب الإرهابية على سوريتنا الحبيبة، ما زال صداها يتردد عبْر الفضاء الكوني، لتجتمع صرخات الشهداء وأمهاتهم وأهاليهم، وصرخات الجرحى وأمهاتنا وآبائنا وصرخاتنا المتواصلة، معلنة حالة مضادة للصرخة، تتحدى العنف والتدمير والتخريب والفساد بصرخة الانتصارات المتوالية.
ومن أجمل الصرخات صرخة الجيش العربي السوري التي تشرق بالانتصار فتمنحنا الطمأنينة والأمان، صرخة العاملين في ورشات البناء وهي تعيد الإعمار والبهاء، صرخة الطلاب الناجحين، صرخة عمال النظافة وهم يرتاحون كلما رأوا الأماكن نظيفة، صرخة الأطباء وهم سعيدون بشفاء المرضى، صرخة ربة المنزل وهي مستبشرة بحياة أفضل، صرخة الكاتب أو التشكيلي وهو يعبّر عن العبور من ذاك النفق المظلم إلى فضاء مضيء.
تتنوع الصرخات وتحتشد خلف الصمت، لنتحاور من جديد، ونبدأ من جديد، ونبني من جديد، رغم قسوة التجربة وآثارها وتأثيراتها، إلاّ أننا نصرخ انتصاراً وإصراراً وإرادتنا تصرخ معنا لنمضي من جديد في طريق يؤدي إلى المستقبل، في طريق لا رجعة منه إلى الوراء.
بين صرخة وصرخة يتفتّح الألم أملاً، وتثمر الحقول رغم الحرائق، وتلد الأمهات أطفالاً يصرخون، وشهداءَ بعضهم قضى وبعضهم ينتظر.
الصرخة قوة نابذة يستخرج عبْرها الكائن شوارده السالبة لتصفى دواخله ويعود إلى صمته المضيء، ليستنتج من التجربة جمالياتها ويستمر بصرخة جديدة متفائلة، تزهر مع ضحكات الأطفال، وابتسامات العجائز، وأحلام القلوب، وتقلبات الفصول.
لكن، هل تكفي الصرخة؟ أم أننا بحاجة لأفعال صارخة متسارعة تجتثّ المفسدين وتجار الحروب والأزمات؟ ولن يحدث ذلك إلاّ بصرخة القوانين معنا وصرامتها، لماذا؟ لأن من ليس لديه وازع داخلي، يحتاج لوازع خارجي كي يلتزم و يرتد عن الفساد.
ولا بد أن نصرخ من أجل تأمين ما يمكن للجندي، ولجريح الوطن، ولأهالي الشهداء، ولفقراء الحرب، ولتكون الصرخة فاعلة، لا بد من إيجاد حلول تتحد فيها العقول والأيادي، ولا بد من اقتراحات ومبادرات، منها إنشاء رقم حساب بنكي حكومي خاص تنشئه الجهة الحكومية المختصة لاستقطاب الأموال من القادرين على ذلك ومنهم التجار والصناعيين وأصحاب رؤوس الأموال، داخل سورية، وخارجها، مثلاً من المغتربين السوريين، إضافة إلى إمكانية فرض ضريبة على من يشتري عقاراً ليفتتحه مطعماً أو فندقاً أو ليستثمره في أي نشاط سياحي وتجاري ربحي آخر، وذلك بنسبة معينة مستدامة.
ومن الممكن، ونتيجة المرحلة وآلامها، أن لا يكون أكثر من عقار سكني باسم مالك واحد إلاّ إذا كان من يشغل عقاراته سكنياً عائلته وأولاده وأهله، أو جعله سكناً لمحتاجين دون إيجار، لأن تملك أكثر من عقار ساهم في ارتفاع إيجارات البيوت السكنية بشكل خرافي، بينما المستأجر يبحث عن رغيف الخبز.
كما من الممكن البحث عن مشاريع استدامة أخرى، مثل الاستثمار في مشاريع إعادة البناء ويعود ريعها وربحها إلى الجهة الحكومية القائمة بذلك، فمثلاً، بدل بيع العقار لشخص أو أشخاص متشاركين، من الممكن أن تتملكه الجهة وتستثمره بمشاريع ربحية مفيدة، وتوظف عائداته لكوادرها إضافة لضريبة نسبة معينة مستدامة تذهب لرقم الحساب البنكي الحكومي.
وأيضاً، للمصارف الحكومية والخاصة دورها في المشاركة الوطنية برفد هذا الحساب لتحسين الوضع الحياتي والمعيشي لكافة فئات المجتمع.
أوليست هذه الصرخة ضوء آخر للصمت نسي أن يرسمه الفنان إدوارد مونش؟