الإجراءات الاستثنائية لم توقفها.. الحرائق تجهز على ٦٠٠٠ شجرة والإهمال المتهم الأول
لا تغيب صورة الحرائق المستعرة في الساحل بمحافظة طرطوس عن الذاكرة، حيث امتدت صيف العام الماضي لتلتهم بشراهة ونهم مئات الدونمات من أراضيها الحراجية والزراعية، وتترك مزارعيها يبكون بحرقة ولوعة على محصول لم يجن، وأشجار زيتون لن تعود، مشهد مؤلم ترك عشرات علامات الاستفهام والأسئلة عن الأسباب والمسببات والنتائج، فماذا عن الجاهزية التي نمتلكها للتصدي للحرائق؟ وماذا عن الطرق الحراجية المغلقة في وجه رجال الإطفاء عند محاولتهم الوصول لحريق ما؟ أو الإهمال الذي أدى لنشوب تلك الحرائق الضخمة، واليد المفتعلة لها؟ هل تم التعامل مع الأسباب ومعالجتها في خطة العام الحالي؟ وهل نجحنا فعلاً في الحد من الانتشار الجغرافي لهذه الحرائق وتقليص عددها، أم مازلنا نراوح بالمكان، ونضع الخطط الورقية فقط، خاصة مع تسجيل حالات عدة لحرائق كبيرة مؤخراً في مناطق: حريصون- عين المسقى- الصفصافة- عين الزبدة- طريق المطار الزراعي، وغيرها، وبدء الموسم الخريفي الحساس لرائحة النيران والحرائق المشتعلة؟.
أشهر متشابهة
العقيد سمير شما قائد فوج الإطفاء في محافظة طرطوس تحدث عن انخفاض بسيط في عدد المهمات المنفذة بالمقارنة مع العام الماضي الذي شهد تنفيذ ١٣٧٩ مهمة، في حين وصل مجموع المهام المنفذة هذا العام إلى ٩٧٤ مهمة حتى تاريخه، موضحاً: تعد الفترة الحالية من أكثر الفترات خطورة بالنسبة لنشوب الحرائق، وهي أشهر: “الثامن والتاسع والعاشر”، حيث تم تنفيذ ١٧٥ مهمة عن شهر أيلول فقط مقارنة بـ ٢١٧ مهمة عن العام الماضي، وتم مؤخراً إخماد حريق ضخم في منطقة عين المسقى باتجاه اسقبولة، اشترك فيه عناصر فوج الإطفاء، والدفاع المدني، ومديرية الزراعة، مع مؤازرة من الخدمات الفنية بمعدات هندسية لشق بعض الطرقات في المنطقة التي لم يتوفر فيها أي طريق مؤد إلى الحريق، وكان الجهد الرئيسي لعناصر الإطفاء حماية المنازل من النيران، فتمت حمايتها، حيث نفذ عناصر الإطفاء هذه المهمة بسحب خراطيم طويلة جداً وصلت حتى ٦٠٠ متر للوصول لبعض بؤر الحريق، واستمر العمل حوالي ٤ ساعات حتى تمت أخيراً السيطرة واحتواء الحريق، وقبله تم التعامل مع حريق ضخم في قرية عين الزبدة.
وبين شما أن عدد عناصر الفوج ١٢٥ عنصراً فقط، وهناك حاجة لعناصر جدد، وقد تم فرزهم مؤخراً من مسابقة المسرّحين، وسيتم إعداد برنامجاً تدريبياً لهم لمدة شهر بكيفية التعامل مع الحرائق، مؤكداً أن آليات الفوج جاهزة على مدار الساعة، وأن الفوج يستنفر للتعامل مع أي بلاغ.
رفع جاهزية
في المقابل تحدث ياسر ديوب رئيس قسم الجاهزية في المحافظة عن إجراءات استثنائية اتخذتها طرطوس منذ بداية العام لمنع وقوع الحرائق، والتخفيف من آثارها وأضرارها في حال حدوثها، موضحاً: تم عقد اجتماع موسع لكل الجهات المعنية تم التأكيد من خلاله على جاهزية آليات الإطفاء الموجودة لدى فوج الإطفاء، ومديرية الدفاع المدني، ومديرية الزراعة، والوحدات الإدارية على مستوى محافظة طرطوس، إضافة للشركات والمديريات التي تتواجد لديها سيارات إطفاء حسب طبيعة عملها، وتم أيضاً التأكيد على ضرورة شق الطرق الحراجية والزراعية وتعزيلها، وتكليف مديرية الزراعة بذلك، كما تم توزيع سيارات الإطفاء على مواقع حراجية مختلفة على مستوى المحافظة، وتم إحداث ثمانية مراكز إضافية خلال صيف ٢٠٢١ بهدف سرعة الوصول والتقليل من الخسائر، أيضاً تم تشكيل لجان على مستوى النواحي والمناطق والقرى، ووضع برنامج زمني للمناوبات لهذه اللجان، بحيث تقوم بالمتابعة والإشراف والتوعية، وتحميل المسؤولية للمسببين.
انخفاض ملموس
وأكد ديوب أنه بسبب هذه التحضيرات والأعمال المسبقة لموسم الحرائق لوحظ نتائج إيجابية أهمها قلة عدد الحرائق قياساً بالأعوام السابقة، وقلة المساحات المتضررة من الحرائق نظراً لسرعة الوصول إليها، وكذلك فإن التعاون بين الأهالي، والإبلاغ السريع بخصوص الحرائق أعطيا نتائج إيجابية في إخمادها والتخفيف من آثارها، ولكن رغم التحسن الكبير فإن من المطلوب التوسع بشق الطرق الحراجية، والزيادة في تعزيلها بشكل دائم، والتوسع بنشر الوعي الاجتماعي بما يخص الحرائق، وتنظيف الأراضي والطرقات العامة.
تحقيقات وضبوط
وبيّن ديوب أنه يتم التعامل مع المساحات المتضررة على مستوى كل حريق من قبل الوحدات الشرطية بالتواجد مباشرة بهدف تسهيل مرور آليات الإطفاء، والوقوف على الحقائق، وتقدير المساحات المتضررة، وتنظيم الضبوط، والتحقيق مع الفاعلين بحسب واقع كل حريق، ويتم تشكيل لجان تقوم بتقدير وحصر الأضرار من قبل مديرية الزراعة، وعن الأسباب المحتملة لهذه الحرائق أوضح أن معظمها يعود إلى إهمال المواطنين في تنظيف عقاراتهم، وعدم مراعاة الظروف المناخية عند إشعال النيران، وتسبب بعض الناس بافتعال حرائق ألحقت أضراراً بمساحات زراعية وحراجية كبيرة، حيث تتابع قوى الأمن الداخلي الفاعلين وتحويلهم للجهات الأمنية المختصة.
خسائر كبيرة
ورغم انخفاض نسبة الحرائق وعددها في المحافظة، تشير الأرقام الواردة إلينا من مديرية الحراج إلى خسائر كبيرة في الثروة الحراجية، حيث تحدث الدكتور فادي ديوب مدير دائرة الحراج عن 49 حريقاً حراجياً مسجلاً هذا العام بمساحة 84 دونماً، و391 حريقاً زراعياً توزعت على مختلف مناطق المحافظة، حيث كان أكبرها في بانياس غابة محورتي بمساحة 25 دونماً، مضيفاً: تبلغ الخسائر الناجمة عن هذه الحرائق حوالي 110 ملايين ليرة سورية نتيجة حرق أكثر من 1000 شجرة حراجية من الصنوبر والسنديان والكينا والسرو ومرافقاتها من الدغيلات والشجيرات الحراجية التي تقدر بــ 5000 شجيرة ودغيلة، ولكن مقارنة بالعام الماضي يُلاحظ انخفاض واضح جداً في أعداد ومساحات الحرائق الحراجية، حيث سجل العام الماضي حوالي 70 حريقاً حراجياً حتى نهاية شهر أيلول، ومساحة أكثر من 400 دونم، في حين لوحظ تزايد في أعداد الحرائق الزراعية التي كانت قد بلغت 240 حريقاً العام الماضي.
خطط متكاملة
وأضاف مدير الحراج أن العمل يتم ضمن خطط متكاملة تهدف لحشد جميع الطاقات المتوفرة في المحافظة للوقاية، ومكافحة الحرائق بأنواعها، حيث تم توزيع الصهاريج العاملة على مختلف مواقع المحافظة التي تعتبر ذات حساسية مرتفعة للحرائق، وتم استنفار الطاقات المتوفرة في مديرية الزراعة منذ بداية موسم الحرائق في الأول من أيار، والسعي المستمر لمعالجة كافة الصعوبات والعوائق التي تعترض العمل رغم الإمكانيات الضعيفة نسبياً من إصلاح آليات، واستكمال نقص العمالة اللازمة، وغير ذلك، أيضاً تم تفعيل أبراج المراقبة الموزعة على مختلف مناطق المحافظة وذلك من خلال إشراف عناصر الضابطة الحراجية، وتزويدها بعمالة موسمية.
وتحدث مدير الحراج عن صعوبات كبيرة تعاني منها المديرية وتتسبب بالحرائق أهمها الطبيعة الجغرافية للمناطق الزراعية التي تتمثّل في مناطق جبلية ووديان وعرة، مع قلة الطرق الزراعية التي تحتاجها الآليات للوصول، ما يضطر المديرية إلى استخدام المضخات الظهرية عن طريق العمال التابعين لفرق الإطفاء، وهذا يأخذ وقتاً أكبر في عملية الإطفاء، لاسيما أننا شهدنا عاماً جافاً لم تهطل فيه الأمطار منذ بداية فصل الربيع، الأمر الذي أتاح وجود كميات كبيرة من الوقود اللازم لاشتعال الحرائق، كذلك الإهمال الظاهر في الأراضي الزراعية، وعدم إجراء الخدمة في فصل الربيع الذي سمح بانتشار الحشائش اليابسة في بساتين الزيتون وغيرها، ويعتبر الشهر القادم الأخطر من كل عام نتيجة لتوجّه المزارعين للعمل في مواسم الزيتون.
رفع الوعي
يعوّل مدير الحراج مثل كل المعنيين بالحرائق في محافظة طرطوس على مسألة رفع الوعي عند المواطن، حيث ساهمت اللجنة المشكّلة في كل وحدة إدارية، وضمت مختلف الجهات المعنية والأهلية، بمهمة مراقبة كافة الأراضي الزراعية، ومنع أي كان من إشعال النيران ضمن أراضيهم الزراعية، وإحالة المخالفين إلى القضاء، وتحفيز الأهالي لمساعدة طواقم الإطفاء في مكافحة الحرائق بالتنسيق مع الجهات المعنية، حيث لوحظ نشاط واضح لهذه اللجان على مستوى القرى، وبالتالي الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الفلاحين.
ورغم تنوع أسباب الحرائق، ولكن للإهمال الزراعي بحرق المخلفات الزراعية العشوائي النصيب الأكبر في نشوبها، إضافة للحرائق التي تنجم عن جوانب الطرقات: (رمي أعقاب سجائر، عوادم سيارات..)، وأسلاك الشبكة الكهربائية المنتشرة في كافة المواقع وما تسببه من أخطار مستمرة، وكذلك مكبات القمامة، وهنا فإن الوعي المتمثّل لهذه الأسباب على مختلف المستويات لضرورة معالجتها متوفر لدى كافة الجهات المعنية، ولابد من السعي لإيجاد البدائل المناسبة.
محمد محمود