الصين.. الهاجس الذي يقف خلف تحالفات أمريكا
محمد نادر العمري
استغل الرئيس الأمريكي جو بايدن قضيتي مواجهة وباء كوفيد-19، ومكافحة التغيّر المناخي لعقد اجتماع ضمن إطار تشكيل ما يُسمّى التحالف الرباعي المعروف باسم “الكواد” أو الحوار الرباعي، الذي يضمّ إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية كلاً من أستراليا والهند واليابان.
من حيث الشكل كان السببان السابقان وراء تشكيل هذا التحالف، ولكن من حيث المضمون، يحمل بعداً جيو استراتيجياً عنوانه الأبرز مواجهة الصين واستكمال السعي الأمريكي للوجود على طول المحيط الهندي ضمن صيغ تحالفية واتفاقية مع الدول المطلّة عليه.
بمعنى آخر، إن إدارة البيت الأبيض تهدف في الأساس من هذا الاجتماع الرباعي والتوصل لصيغة التحالف هذه، أن يلتزم الأطراف الأربعة بجعل “منطقة الهند- المحيط الهادئ مفتوحة وحرة”، وهي عبارة عن دبلوماسية معتمدة لاحتواء التطلعات الإقليمية الصينية.
ومن حيث التوقيت فإن الاجتماع هذا بصيغته الحالية وأطرافه يشكل استكمالاً للاتفاق الذي سبقه بحوالي أسبوع وسُمّي “أوكوس”، وبمعنى ثانٍ استكمال مسعى أمريكا للوجود في أهم المحيطات وربطه بين الأطلسي والهندي، وأيضاً في المسعى الآخر السعي لاجتذاب الهند لاصطفافاتها وإخراجها من فضاء مجموعة “البريكس”، وهي المجموعة التي تراهن عليها الصين وروسيا لتعديل النظام الدولي القائم عبر تعاون اقتصادي بين دول متعدّدة في قارات مختلفة تمتلك أسواقاً واسعة وإمكانات وموارد وقدرات تكنولوجية وتسيطر على أكثر من 48% من التجارة الدولية. ويمكن إضافة هدف آخر أيضاً من حيث السياق الزمني، هو مسعى أميركا لتحسين صورتها أمام المجتمع الدولي بأنها ما زالت القوة المهيمنة والقادرة على عقد تحالفات خارجة عن التحالفات التقليدية.
من حيث السياق الاستراتيجي، فإن هذه الخطوة تأتي استكمالاً لاستراتيجية الأمن القومي التي تحدّدت في عام 2010، أي منذ إدارة الديمقراطيين في ولاية باراك أوباما الثانية والتي كان لبايدن دور في تحديد معالمها بحكم توليه منصب نائب الرئيس في تلك الفترة، وهذه الإستراتيجية أيضاً تترجم معالم السياسة الخارجية للولايات المتحدة والتي أشار إليها بايدن في حملته الانتخابية، وهي معالم تنطلق من تعزيز النفوذ والوجود في منطقة آسيا والمحيط الهادي التي تمّ التأسيس لها في إستراتيجية أوباما الثانية للأمن القومي، والدليل على ذلك أن الرئيس بايدن بدأ حكمه بشكل مباشر بتطبيق إستراتيجية احتواء الصين منذ لحظة انتخابه، واستبق ذلك بإصدار إستراتيجيته الجديدة للأمن القومي، وهو الأمر الذي اتضح مع فشل المحادثات التي حصلت في ألاسكا والمناوشات البحرية، والتي وصلت حدّ الاستفزاز واستمرار التصريحات القوية المهاجمة للصين، ومع الحراك الدبلوماسي والزيارات بمختلف أنواعها بما في ذلك الأمنية والعسكرية التي قام بها أقطاب الإدارة الأميركية الجديدة واللقاءات التي عقدها الرئيس بايدن بنفسه مع دول محورية في تلك المنطقة.
ولكن من جانب آخر، يمكن قراءة ما يحصل من خلف الدوافع الأمريكية من هذه التحالفات المتنوعة والتي أدى بعضها إلى خلق خلافات مع بعض الحلفاء التقليدين كفرنسا التي تضرّرت من اتفاق “أوكوس”، هو مسعى أمريكي لوضع الصين بين فكي كماشة، والتضييق على الخط الحيوي البحري في المحيط الهندي عبر استقطاب الدول المطلّة عليه من جانب، ومن جانب آخر تعزيز الوجود الأمريكي وإعادة انتشار القوات الأمريكية لتهديد المصالح الصينية.
ولكن هل الهدف من ذلك بالضرورة أن يكون التحضير لمواجهة مختلفة الأشكال مع الصين بما في ذلك العسكرية منها؟ ودون أن يكون هناك توقع من ردّة فعل صينية أو سلوك صيني محتمل؟.
بالتأكيد الهدف هو الصين، ولكن ليس بالضرورة المواجهة المباشرة، بل قد يكون الضغط عليها للجلوس على طاولة المفاوضات وقبولها بالتعاون وفق الصيغة التي تعرضها الولايات المتحدة هي الهدف الحقيقي من ذلك، وهي الصيغة التي رفضتها سابقاً الصين في بداية إدارة الرئيس بايدن بعد اجتماع ألاسكا، وهي تتحضر عسكرياً ودخلت في سباق مع الزمن لامتلاك قوة عسكرية لمواجهة أي حصار عسكري، ولذلك قد يفهم سبب المناورات العسكرية البحرية المشتركة التي شهدها المحيط الهندي للمرة الأولى بين الصين وروسيا والجمهورية الإيرانية مع نهاية عام 2020.