حكايات من شاهد على انتصار تشرين في ندوة حوارية
طرطوس- محمد محمود
كشاهد على انتصار تشرين ومجد عاشه السوريون تحدّث اللواء الركن المتقاعد محمد سليمان رئيس رابطة المحاربين القدماء بطرطوس في ندوة حوارية في الذكرى الثامنة والأربعين لحرب تشرين التحريرية، أقامها اتحاد الكتّاب العرب بطرطوس، بالتعاون مع رابطة المحاربين القدماء. وروى اللواء سليمان الذي عاش تفاصيل الحرب حكاية تلك الأيام بطريقة مشوّقة فقال: حرب تشرين التحريرية التي صنعها القائد الخالد حافظ الأسد لم تبدأ في السادس من تشرين، بل كانت قبل ذلك بكثير من حيث التجهيز والإعداد والتحضير، وهي ليست معركة جيش أو عسكريين، بل معركة شعب كامل ضد مغتصب ومحتل. وأضاف: كنت في ذلك الوقت برتبة مقدم في سلاح الصواريخ، التي تمّ تشكيلها بجهد القائد الخالد، وكان هناك ستة ألوية صواريخ، لوائي اللواء 78 في تل الحارة، وأثناء هذه الفترة قرّرت القيادة الانتقال للهجوم، فقمت بتجميع فوجي في منطقة القطاع الأوسط لتركيز الهجوم باتجاه صفد، وكان لوائي في الجهد الرئيسي للجيش ضمن الفرقة التاسعة، والأولوية التي تقدّمت لقطع تحصينات العدو، وكنت أعمل على شاشة الرادار أراقب الدبابات التي يتمّ تدميرها ونرصد الطيران الذي تحرك، وشاهدت طائراتنا في الجو تدك تحصينات العدو، وكنت أشاهدها بأم عيني في تل الحارة الذي حاول العدو احتلاله أكثر من مرة ولم يتمكن. وفي اليوم الثاني بدأت بتجريب الصواريخ التي تدرّبت عليها جيداً، وكنت بفارغ الصبر لتجربتها على عتاد المحتل وطائراته، وفعلاً كانت رمايات اللواء رمايات ممتازة، حيث شاهدت طائرتين في الساعة الرابعة ظهراً وأمرت قائد الكتيبة الثانية بإطلاق الصواريخ، وتمّ تدمير إحدى الطائرتين، وقمنا بتسليمها للفرقة التاسعة لقائد الدفاع الجوي العميد عبد الله ميخائيل التلي، في حين قفز قائد الطائرة الأخرى من طائرته مذعوراً قبل الإطلاق عليه، وسقطت طائرته.
وتحدّث اللواء سليمان عن بعض الأساليب القتالية التي قام بها أثناء الحرب، والمناورات التي تمت لخداع العدو، يقول: بعد ذلك شاهدت طائرة على ارتفاع عالٍ خارج حدود منظومة الدفاع الجوي الصاروخي، وقدّرت أنها طائرة استطلاع قامت بتصوير الموقع، فقمت بتحريك موقع المرابط بحدود 1 كم، وقدّرت أن الموقع سيتمّ قصفه، وفي اليوم الثاني 7 تشرين كانت المفاجأة حيث شاهدت 14 طائرة على شاشة الرادار تتحرك باتجاه مواقعنا فقمت بإعطاء الأمر ودمرنا 5 طائرات منها دفعة واحدة، في حين تحركت الطائرات التي خرجت من المجال وقامت بقصف الموقع السابق الذي انتقلنا منه، وكانت تقديراتنا صحيحة تماماً، والمضحك أن إسرائيل أذاعت في ذلك الوقت أنها قامت بتدمير اللواء 79 بقيادة المقدم محمد سليمان، وهو خبر عارٍ عن الصحة، وشاهدت على شاشة الرادار في المواقع الجديدة، وتمكنا من إسقاطها أيضاً وكانت حصيلة ذلك اليوم 14 طائرة (إما الطائرة وإما الطيار) واستمرت الحرب، وأعطى القائد الخالد الأمر بمتابعة المعركة وسُمّيت حرب الجولان وهي لا تقلّ عن حرب تشرين وحربنا مع المحتل لم ولن تنتهي إلا بعودة الأرض كاملة.
وأكد اللواء محمد سليمان أن حرب تشرين ستبقى بعد ثمانية وأربعين عاماً ذكرى خالدة لأولادنا، فهي حرب أعادت الكرامة لنا، وهي ما زالت مستمرة حتى اليوم عبر استراتيجيات ينبغي العمل بموجبها، فالعدو وبعد الهزيمة لا يزال يصنع استراتيجيات جديدة، وهي أهم من الدبابة والصاروخ، فنحن في سورية أول من ينادي بالسلام، والسلام هو إعادة الحقوق بالدرجة الأولى، ونحن اليوم بحاجة للتوازن الاستراتيجي ووضع هدف ضمن إمكانياتنا. وختم اللواء سليمان: هناك الكثير والكثير في الحديث عن حرب تشرين لكن أكثر ما يثير الفخر والاعتزاز في نفسي هي تلك اللحظات التي كان الناس يخرجون إلينا ويقدمون الطعام، فالناس كانوا في الملاجئ، لكن في يوم 7 الشهر خرجوا للأسطح لمشاهدة الصواريخ وهي تلاحق الطائرات، وكان هناك الكثير من النكت والطرف التي رواها الناس،وسأروي واحدة منها بلهجة مبسطة كما يتحدث بها أهل منطقة “جاسم”، فأهالي المنطقة شاهدوا صاروخاً من صواريخ أبو ياسر “وهو لقبي آنذاك بين الناس” خرج للبحث عن طائرة للعدو، وأطال البحث عنها ثم نزل إلى أحد الدكاكين وسأله هل رأيت الطائرة فأشاروا له عن مكانها فانطلق الصاروخ للطائرة، وأعطاها قبلة حارة فأصبح لونها أحمر، ونزلت على الأرض، ومن الأمور الجميلة أيضاً قدوم راهبات من منطقة قريبة لمشاهدة الطائرات المدمّرة، وهي أمور تبعث على الفخر وتبقى في الذاكرة كلحظات جميلة جداً.