مع التحفظات وحماس الفرص.. مساومات وفساد في عملية التقييم العقاري للضمانات المطلوبة
دمشق- فاتن شنان
في الوقت الذي يتحفّظ فيه بعض المواطنين على القروض المطروحة، سواء الاستثمارية أو الشخصية، لجهة صعوبة تأمين الثبوتيات والضمانات اللازمة لها، يقابله حماس البعض على المقلب الآخر لدخول غمارها والاستفادة منها كمحاولة لتغيير واقعهم المعيشي ورفع مستوى دخلهم الشهري، كونها فرصة جيدة وفق منظور من يملك أفكاراً أو مشاريع صغيرة يرغب بتطويرها، ورغم تأكيدهم صعوبة تأمين متطلبات القروض، سواء السكنية أو التجارية من أوراق ومستندات تستنزف طاقتهم وجيوبهم، إلا أنهم لم ينجوا من محاولات الاستغلال والوقوع فرائس لبازارات سعرية لقروضهم المأمولة!.
في التفاصيل
تخفي بعض تفاصيل الحصول على القروض ثغرات تمهّد لمدخل فساد ورشاوى يقع المقترض فريسة لها، فبالإضافة لوجود سماسرة القروض والذين غالباً ما يكونون على تواصل دائم مع المصرف أو من داخله، أو معقبي معاملات يزعمون معرفتهم بخبايا القروض ومعاملاتها المعقدة، الأمر الذي يكلف المقترض مبالغ كبيرة غير رسمية لقاء الخدمة وتوصيل المقترض إلى نهاية المطاف لاستلام قرضه دون عناء، يضاف إليها مدخل آخر لا يقلّ أهمية في نشر الفساد وهو قضية التخمين العقاري، إذ يطلب تخمين قيم الضمانات العقارية المقدمة لزوم القرض من قبل مقيّمين عقاريين معتمدين لدى وزارة المالية، ويتمّ تقييم الضمانة وفق عدة معايير تتعلق بالمساحة والموقع ونوع الإكساء، ولكن هذه المعايير فضفاضة غير محدّدة بسعر رسمي يستند إليه المقيّم بعمله، لذا تتفاوت الأسعار بشكل واسع رغم بعض المحددات التي نصّ عليها قانون البيوع العقارية، إلا أن الإشكالية ليست في عدم دقة المعايير رغم أهميتها وقدرتها على تقليص الفارق السعري في الكشوف، إذ يتراوح الفارق بين 250 ألفاً والمليون ليرة للمتر الواحد في العقار نفسه وموقعه الجغرافي واتجاهاته، لذا ينتج غالباً عن التخمين كشفين بسعرين مختلفين للضمانة العقارية نفسها، وليخفف المصرف مخاطر القرض يعتمد الأقل بينهما، ولكن الإشكالية الحقيقية تكمن بنمو فرص الفساد في هذا المسار والتلاعب على المقترض، واستغلال المعايير لفتح مجال للتفاوض معه بغية رفع قيمة الضمانة ووضع سعر متناسب مع طموح المقترض بالحصول على قرض بسقف عالٍ مقابل مبلغ نقدي يضاف إلى حساباتهم الشخصية.
إكرامية
على الرغم من تأكيد مصدر مصرفي على أمانة المقيّم العقاري، إذ يتمّ اعتماده لدى وزارة المالية وأدائه القسم على الإخلاص بالعمل، بالتوازي مع صرف مبالغ مالية لكل كشف يقومون به يبلغ 40 ألف ليرة عن كل تقييم ضمانة، إلا أن بعض المقترضين أكدوا قيامهم بدفع مبالغ كبيرة تحت مسمّى “إكرامية” للمقيّمين ليحظى المقترض بسعر أعلى، وبالتالي حصوله على قرض بقيمة أكبر، ولاسيما أن الاتفاق يتمّ خارج حدود المصرف وخلال الجولة على تقديم كشوف عالية متقاربة بقيمتها المالية. وكشف آخرون عن وجود أساليب عديدة لضمان عدم رفض المصرف للقيمة بتصوير عقارات أخرى على أنها الضمانة المقدمة، والكثير من أساليب التحايل على واقع الضمانات المقدمة، ولعل ملف تعثر القروض الذي تعاني منه المصارف العامة إلى الآن دليل دامغ على سوء التقدير أو التلاعب في الضمانات المقدمة للقروض. وبدوره أكد المصدر أن المصرف يتلقى ملف القرض مرفقاً بالكشف المالي للضمانة العقارية مع صور فوتوغرافية عنها، ليصار لدراستها ومقارنة السعر بالصور، وفي حال تمّ اكتشاف فارق كبير من حيث جودة الضمانة والسعر المرفق يتمّ إعادة الطلب إلى الفرع المعنيّ للقيام بكشف جديد مع استبدال المقيّمين العقاريين، مشيراً إلى أن أخطاء التقييم تنعكس سلباً على المصرف وترفع من حجم المخاطر، لذا فالمصرف حريص على تطابق الصور والقيم المالية، وبما يتعلق بالإجراءات بحق المقيّم يقوم المصرف بإلغاء تعامل المصرف مع أولئك المقيّمين ويتمّ استبعادهم من الملفات اللاحقة.
إلغاء التعامل
مدير المصرف العقاري الدكتور مدين علي بيّن أن هناك ثلاث جهات تقوم بعملية تخمين الضمانات، تبدأ من المصرف كجهة أولى ثم هيئة التطوير العقاري، وفي حال كان هناك ملف تنفيذي يقوم خبراء المحكمة بالتخمين. كما بيّن علي أنه في حال اكتشاف مبالغة في تقييم الضمانة العقارية المرفقة مع ملف القرض، يقوم المصرف بطلب خبرة ثانية وتقديم كشوف جديدة من قبل مقيّمين آخرين، مع إلغاء المصرف لأي تعامل مع كل مقيّم عقاري أساء العمل بمهمته، أما العقوبات فتصدر من الهيئة أو الوزارة.
عقوبات متدرجة
وبما يخصّ العقوبات التي تطال المخالفين وفق ما أكدته مديرة هيئة الإشراف على التمويل العقاري انتصار ياسين أنه في حال ارتكاب خبير التقييم أية مخالفة لأحكام القانون رقم 8 لعام 2012 -الخاص بتنظيم مهنة التقييم العقاري وضبط عمل خبراء التقييم العقاري- أو أقدم على تصرف يخلّ بالمسؤوليات المنوطة به أو بقواعد ومعايير ممارسة مهنة التقييم وآدابها أو ارتكب تصرفاً يسيء إلى مكانتها، يُحالُ إلى لجنة تأديبية تشكلها الهيئة بالتعاون مع التنظيم المهني، وتشكل لجنة التأديب بقرار من الوزير برئاسة قاضٍ مستشار يسميه وزير العدل وعضو من مجلس الإدارة وعضوين من التنظيم المهني أو من الخبراء المرخصين من قبل الهيئة وخبير محلف لدى المحاكم ذات الصلة بالمهنة، كما يحق للجنة الاستعانة بمن تراه مناسباً في أدائها لمهمتها، ويعاقب خبير التقييم العقاري المخالف بالتنبيه الخطي وتتصاعد العقوبات إلى الإنذار الخطي ثم الإيقاف عن مزاولة المهنة لمدة لا تزيد عن ثلاث سنوات يليها إلغاء الترخيص.
وأكدت ياسين أن الهيئة تعمل على تنظيم عمل خبراء التقييم العقاري من خلال إصدارها عدة قرارات تنظيمية لعمل الخبراء من حيث أسس التقييم، معايير التقييم، الأتعاب، ونماذج إعداد التقرير. كما تسعى الهيئة لوضع مزيد من الضوابط للرقابة والإشراف على عمل خبراء التقييم العقاري بما يحقّق الشفافية ووجود ثقة متبادلة بين خبراء التقييم العقاري والجهات العامة والخاصة طالبة الخبرة، مشدّدة على جميع الجهات العامة والخاصة التواصل مع الهيئة في حال وجود مشكلات في أي عملية تقييم عقاري أو مخالفة من قبل خبراء التقييم لمعالجة الأمور أصولاً.
ثلاثة أسس
ويبدو أن معالجة الظاهرة بحسب رأي خبراء مصرفيين تكون عبر اعتماد ثلاثة مقيّمين عقاريين للحؤول دون وجود تواطؤ مع المقترض لتقديم سعر مبالغ به للضمانة، بالتوازي مع الاستئناس بالتقييم المالي لوزارة المالية، لتلافي أية محاولة رفع قيم الضمانات بشكل شخصي، كما يمكن أن يتمّ التشدّد في طلب ضمانة عقارية توازي ضعفين إلى ثلاثة أضعاف القرض لتقليص نسبة المخاطرة لدى المصرف، أما فيما يخصّ القروض الشخصية والاستثمارية، فوجود كفلاء للمقترض يقلّل نسبة المخاطرة في حال وجود المبالغة في تقييم الضمانة، ولاسيما أن معظمها يشترط ضمانة توازي 200% من قيمة القرض.