الإستراتيجية الصهيونية في الاعتداء لا تتغير
محمد نادر العمري
من تابع الخطاب الذي ألقاه رئيس الحكومة الصهيونية نفتالي بينت على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة في الدورة السادسة والسبعين لانعقادها، يصفه بأنه خطاب كان منصباً بكل عناوينه وتفصيله وحيثياته الأساسية حول الهجوم على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، حيث لم يؤثر تغيّر شخصية رئيس الحكومة في الكيان المغتصب وخلفيته السياسية في التمسك بالسياسات التقليدية الصهيونية المتمثلة بتوجيه الاتهامات لإيران ومحاولة تأليب الرأي العام الدولي ضدها، وهو المسار الذي تمسّك به رئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو منذ وصوله للسلطة في عام 1998، وتبلور ذلك بأكثر الصور وضوحاً كما كان في مضمونها بالصورة التي رفعها على المنبر نفسه، متخذة “شكل القنبلة” في عام 2016.
وهو ما عاد بينت للتأكيد عليه في المؤتمر الصحفي الذي عقده في نيويورك عقب انتهاء كلمته بالقول: “بخصوص إيران نحذر المجتمع الدولي من وتيرة الخطر الإيراني الذي يزداد بشكل يومي. مضيفاً أن إسرائيل وحلفاءها يعملون بتصميم على إحداث فارق لوقف تقدم البرنامج النووي الإيراني”.
ولكن بينت الذي أغفل أو تجاهل بشكل متعمد، أن الولايات المتحدة ومنذ تولي إدارة جو بايدن أعلنت أنها ليست بصدد استخدام القوة العسكرية مع إيران بشأن برنامجها النووي، بل إنها تفضّل الخيار الدبلوماسي والسياسي لإيجاد الحلول معها، وهذا الكلام وقع في أذان المسؤولين الصهاينة في أكثر من مناسبة وعلى مختلف المستويات، وحتى بينت ذاته سمعه أثناء اجتماعه مع الرئيس بايدن مطلع الشهر الماضي حينما طلب الأخير، وفق ما أوردته تسريبات لصحيفة “نيويورك تايمز”، تعهداً من الحكومة الحالية بعدم القيام بأي مغامرة ضد إيران بعيداً عن الموافقة الأمريكية، وهو ما وصف من قبل وسائل الإعلام الصهيونية بأنه تقيّد بسلاسل أمريكية للصراع الإسرائيلي مع إيران، حتى أن موقع “والا” الصهيوني عنون بالخط العريض بأن “إسرائيل” بعد هذا الطلب الأمريكي تحولت لبطة عرجاء مهدّدة بالشلل التام.
على الرغم من كل ذلك يطرح السؤال التالي والذي يفرض نفسه بقوة، وهو: لماذا تصرّ دولة الاحتلال، وخاصة رئيس الحكومة بينت، على استمرار الهجوم على إيران كما فعل سلفه نتنياهو على الرغم من التجاهل الأمريكي الحالي للمطالب الإيرانية؟.
الإجابة عن ذلك تتضمن ثلاثة جوانب لابد من التطرق إليها ومعرفة مضامينها على المستويات التالية:
أولاً: على مستوى الداخل الصهيوني، مازال الوضع السياسي غير مستقر بالنسبة لرئيس الحكومة الحالي في ظل استمرار مناوئيه وخصومه من تحالف نتنياهو، بالإضافة للأحزاب الدينية، في الضغط عليه داخل المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، سواء كان ذلك في الكنيست الإسرائيلي أو عبر وسائل الإعلام. وهذا الضغط يراد منه محاولة تأليب الرأي العام على الحكومة الائتلافية المشكلة بين بينت ولابيد ودفعه للاستقالة أو سحب الثقة من هذه الحكومة في البرلمان هذا من جانب، ومن جانب آخر ربما يكون لدى بينت طموح الاستئثار بالسلطة، فهو يصنّف كأحد تلاميذ نتنياهو الذي تتلمذ سياسياً على يديه، وليس من المستبعد أن يكون هدف بينت من خلال ولايته في الفترة الأولى من هذه الولاية بناء شعبية له داخل الأراضي المحتلة عبر رفع سقف التصريحات والانقلاب على اتفاقه مع لابيد بهدف الاستئثار بالسلطة، أو التوجّه لانتخابات قادمة بحاضنة شعبية أكبر.
ثانياً: على المستوى الإقليمي، لم تحقق اتفاقات “أبراهام” والتي تضمنت عملية تطبيع بين مجموعة من الدول العربية و”إسرائيل” النتائج المراد منها أمنياً وعسكرياً وإيديولوجياً، وفق تقدير صادر عن معهد الأمن القومي الصهيوني في الذكرى الأولى لتوقيع هذه الاتفاقيات. ويتزامن ذلك مع الخشية التي يشعر بها حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية من احتمال سحب قواتها في المنطقة على غرار أفغانستان مقابل تعزيز وجودها في الجنوب الشرقي من آسيا، ولاسيما أن مؤشرات هذا الخوف تزايدت مع سحب واشنطن لعدد من بطاريات الدفاع “باتريوت” من منطقة الخليج، وتوجهها نحو عقد تحالفات جديدة متخلية عن حلفائها التقليديين، كما حصل في اتفاقية “أوكوس”، ومن هذا المنظور حاول بينت رفع معنويات المنطقة في مواجهة إيران.
ثالثاً: يكمن في المستوى الدولي، ويتمثل في رغبة تل أبيب باستمرار حصولها على الدعم المادي والسياسي والاقتصادي الغربي بداعي تعرض أمنها القومي للخطر نتيجة ما تصفه تل أبيب بالخطر الإيراني، فضلاً عن استمرار محاولتها كسر حالة العزلة في علاقاتها مع بعض الدول بالنظام الدولي.
المؤكد أن الكيان الصهيوني لن تتغيّر توجهاته وسياساته العدوانية بتغيّر الأشخاص، حيث إن إستراتيجيته التي أورثتها له الحركة الصهيونية تعتمد على علاقة طردية وعضوية بأن “استمرار البقاء يتطلب استمرار العدوان” على حدّ وصف المفكر اليهودي “ألون بنكاس”!.