الاقتصاد العالمي والرهان المستقبلي
عناية ناصر
يراهن المتابعون الاقتصاديون على أن نمو الاقتصاد العالمي سيقف عند 6٪، لكن سيكون الاقتصاد العالمي في فترة كئيبة مقلقة، ويمكن توضيح ذلك من خلال ثلاثة مستويات منخفضة، وثلاثة ارتفاعات.
النمو المنخفض
من المرجّح أن يؤدي الافتقار إلى القوى الدافعة في الاقتصاد العالمي، وركود الابتكار التكنولوجي، وشيخوخة السكان في الاقتصادات المتقدمة، وعدم كفاية إمكانات الاقتصادات الناشئة إلى انخفاض النمو الاقتصادي. على النقيض من ذلك، سيكون نمو الصين إيجابياً نسبياً، ولكن في السنوات العشر المقبلة، من المتوقع أن يظل النمو الاقتصادي للصين عند نحو 5٪ فقط. وفي المستقبل، سيكون هناك المزيد والمزيد من البلدان التي سيبقى نموها عند نحو 1 في المائة، أو أقل من 2 في المائة، ولن يكون هناك أي قوة دافعة للنمو الكبير في مجالات مثل الاستثمار والتجارة والاستهلاك.
انخفاض العمالة
وفقاً لتقارير الأمم المتحدة، فقدت 255 مليون وظيفة بدوام كامل في جميع أنحاء العالم العام الماضي، وقفزت معدلات الفقر المدقع من 8.4٪ في عام 2019 إلى 9.5٪ في عام 2020. وبعد عام ونصف من تفشي جائحة كورونا، تكيّفت بعض البلدان معه، وفي المستقبل المنظور بالكاد سيستأنف العالم هذا النوع من الازدهار الذي شهده بداية القرن الحادي والعشرين.
العمالة المنخفضة هي اختبار شديد للاقتصاد الحديث المتمحور حول الاستهلاك، فقد تؤدي زيادة عدد الأشخاص ذوي الدخل المتوسط والمنخفض إلى نمو استهلاكي ضعيف، مع وصول استهلاك الأشخاص ذوي الدخل المرتفع إلى أدنى مستوياته. وبالمحصلة قد لا تتحقق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030 أيضاً.
أرباح منخفضة
وصل عائد السندات السلبي في العالم عام 2020 إلى 18 تريليون دولار، حيث دفعت المخاطر الجيوسياسية، وخفض قيمة العملات التنافسية، والحمائية التجارية والاستثمارية العالم إلى حالة من انخفاض الدخل. وقد أثرت الربحية المنخفضة للاقتصاد الأوروبي والأمريكي أيضاً على الصين، إذ انخفض معدل ربحية المنتجات المالية الصينية في السنوات الأخيرة من 5 في المائة قبل خمس سنوات إلى نحو 3.5 في المائة اليوم.
ومقابل هذه “الانخفاضات” هناك أيضاً “ارتفاعات”:
مخاطر عالية
لم تنتهِ جائحة كورونا بعد، إذ تمرّ الولايات المتحدة والدول الأوروبية بموجاتها الرابعة، لكن بعض الدول رفعت قيودها بالكامل، وهي تعتقد أنه على الرغم من أن متغيّر “دلتا شديد العدوى”، فإن معدل الوفيات الناجم عن الفيروس منخفض. فهي تتعامل مع الفيروس مثل طريقة تعاملها مع الأنفلونزا. لكن الصين ترى أن تأثير جائحة كورونا سوف يستمر لفترة طويلة، لذلك ليس من المفترض رفع الإنذار قبل الوصول إلى اختراق في مجال اللقاحات. لقد تعرّضت السياسة الصينية المتمثلة في عدم التسامح مطلقاً مع الجائحة لانتقادات من قبل بعض وسائل الإعلام الأوروبية والأمريكية لأن الغرب قلق، والقلق يمكن أن يؤدي بسهولة إلى الموجة التالية من الشعبوية والتطرف والإرهاب. ونتيجة لذلك، ستكون المخاطر التي يواجهها الاقتصاد العالمي أعلى بكثير مما كانت عليه في الماضي، وتشمل هذه المخاطر الغذاء والديون والتمويل ومخاطر الطاقة والمناخ وما إلى ذلك.
ارتفاع التضخم
تعمل الولايات المتحدة منذ تفشي الوباء جاهدة لإنقاذ سوق الأسهم بدلاً من الأرواح. وقد تمّ تنفيذ عدد غير قليل من سياسات التحفيز من التسهيل الكمي، فقد ذكرت صحيفة “واشنطن بوست” في 11 آب الماضي أن الأسعار ارتفعت بنسبة 5.4 في المائة في تموز مقارنة بالعام الماضي.
أما بالنسبة للعالم، فهناك اتجاه للمخاطر الاقتصادية، وقد تشهد العديد من الدول اضطرابات في الأسواق المالية. ربما تكون سوق الأسهم الأمريكية مزدهرة الآن، إلا أنها أزمة مالية أشدّ بعدة مرات من أزمة عام 2008، وهذا هو السبب الذي جعل الصين تحافظ على درجة عالية من اليقظة ضد التضخم والمخاطر المالية في السنوات الأخيرة.
ارتفاع الديون
يبلغ الدين القومي للولايات المتحدة نحو 30 تريليون دولار، وكان الدين الأمريكي قد استمر في الارتفاع إلى نسبة الناتج المحلي الإجمالي في الارتفاع خلال المائة عام الماضية. ووفقاً للتقارير، فقد وصلت حالات إفلاس الشركات الأمريكية إلى أسوأ مستوياتها منذ 10 سنوات في عام 2020 وسط جائحة كورونا، ويستمر تناقص عدد الأشخاص في الطبقات الوسطى في جميع أنحاء العالم، مع انخفاض سعادة الأسرة ومعدلات المواليد وما إلى ذلك، مما قد يؤدي بدوره إلى تدهور الاقتصاد العالمي الراكد. في المقابل، تتبنى الصين إصلاحات اقتصادية حاسمة، والجهود تبذل لتحقيق تنمية عالية الجودة لتجنّب الوقوع في فخ الديون.
باختصار، هناك العديد من المخاوف بشأن التوقعات الاقتصادية العالمية في السنوات القادمة، ولكن لا يزال هناك تفاؤل حذر وثقة بالتعاون العالمي. ولهذا فإن العالم بحاجة ماسة إلى ظهور قادة عظماء ودول كبرى واستراتيجيات كبيرة لقيادة البشرية للخروج من تدهور التنمية الذي بدأ منذ عام 2008. وبصرف النظر عن التعاون العالمي، هناك أيضاً حاجة إلى الابتكارات، فالعلم والتكنولوجيا قوى إنتاجية أساسية، ويمكن للابتكارات أن تقلّل التكاليف وتولد طلباً جديداً، ومعها يمكن التفاؤل بأن النمو الاقتصادي سيقود إلى مستقبل جديد. في النهاية، يجب أن تلتزم البلدان بالطريق نحو التنمية، ومساعدة الناس في البلدان النامية على تحسين حياتهم، وبهذه الطريقة فقط يمكن رؤية أمل جديد في الاقتصاد العالمي.