فاعلية الإعجاب
ناظم مهنا
قد يُعجب شاب بفتاة ويهيم بها، ويعجب قارئ بشاعر أو بكاتب، وقد يعجب الجمهور بقائد أو زعيم أو موسيقي كبير.. هذا الإحساس الغامض، ليس مهماً كيف يتكوُّن وما أسبابه، المهمّ أنه موجود ولا بد منه لإحداث التفاعل، هو سابق للتذوق وللفهم، وهو أعمُّ وأشمل لأنه انفعال فردي وجمعي، والإعجاب الجمعي، في حدوده القصوى، هو الذي يخلق الأساطير.
حادثة مصرع الليدي ديانا، مثلاً، توافرت الظروف لتكون أسطورة رومنطيقية، في عصر غير رومنطيقي ويفترض أنه لا يحتمل هذا النوع من الأساطير! كان قطاع كبير من الناس في بريطانيا والعالم منبهراً بهذه السيدة المتفلتة من التقاليد المحافظة، وهي تتحدر من الطبقات الشعبية، وعلى الرغم من أنها لم تكن جميلة إلى هذا الحدّ، وتصرفاتها كانت مبتذلة، وهي زوجة أمير وأم لطفلين أميرين! وعادة لا يغفر الناس في كل المجتمعات لمثل هذا الشطح، لكن كان ثمة غموض في معرفة سرّ هذا الإعجاب، الذي تضاعف ووصل حدوده القصوى في مصرعها الغامض والمفاجئ مع صديقها الذي رفعته الليدي معها إلى مرتبة البطولة. فهل كان العالم يحتاج إلى أسطورة جديدة، أم هي قصة صنعتها الميديا لتستثمرها في السينما والدراما؟! والميديا تصنع العجائب في هذا الزمن! الأساطير عادة لا تتمتّع بالعمق الكافي للإقناع، ولو خضعت للتحليل أو للتأمل، لتبيّن مقدار بساطتها إن لم نقل مقدار تفاهتها! فنتأمل قصة هيلين وحرب طروادة، على سبيل المثال وهي التي نشأت عنها حرب كبرى، ثم أكبر ملحمة إغريقية تلقفتها الثقافة الأوروبية واستأثرت بها، وقسْ على ذلك بقية الأساطير التي كانت أقل منها تأثيراً! فأين هي هذه الأسطورة من أسطورة جلجامش البابلية؟! من حيث العمق والسمو! ولكن الأمور لا تقاس وفق هذا المقياس، ونحن نتكلم عن الإعجاب.
قد يتسم الإعجاب بطابع طفولي، هذا ما يجعله يفلت من التحليل ومن المنطق بعض الشيء. الإعجاب يتحول بقوة الحماس والإثارة إلى تعصب شديد يصل في ذروة هيجاناته إلى التدمير ويتحوّل إلى عدوانية جماعية. إن الحماس الغوغائي يتسم عادة بالحماقات التي تجرف في طريقها فنانين ومثقفين وإعلاميين وسياسيين.. كما حدثت حوادث شغب عديدة في أوروبا على خلفية الحماس لكرة القدم، وذهب فيها ضحايا! وهذا يؤكد أن انفعالات البشر الأولية متقاربة ومتشابهة، كما يؤكد فرويد ومن يذهب مذهبه في التشاؤم من الوعي البشري ومن السلوك الطفولي الجمعي، الذي يذهب أحياناً حدّ الجنون، ويبدو فيه البشر في حالة سكر جماعية معجبين بالجنون الذي يظهرونه!.
تذهب وجهة نظر فرويد إلى أن وعي البشر رغم التقدم التقني، لم يتطوّر عن وعي الإنسان البدائي، وقد يكون الإنسان القديم أكثر وعياً ومسار الوعي الإنساني ارتكاسياً وليس تصاعدياً أو تقدمياً كما نتوهم! وما يقوي هذا الاعتقاد هو أن الإنسان لايزال حتى الآن يرتكب حماقات كارثية وحروباً مدمرة مبنية على أوهام أو غرائز أو أساطير أو خرافات، لا تقلّ تفاهة عن أسباب حرب طروادة أو حرب داحس والغبراء! هل قادنا الحديث عن الإعجاب إلى هذا التشاؤم، أم هي فوضى المشاعر؟!.
إن الواقع الذي نعيشه، على المستوى المحلي والعالمي، لا يقود إلاّ إلى فوضى المشاعر وإلى التشاؤم! وما نريد أن نخلص إليه، أن الإعجاب فاعلية إنسانية تعبّر عن بدائية الوعي بالأشياء، وهو علاقة بين الذات والموضوع، وهو في حالاته الجمالية يكون فردياً، وقد يكون خطراً في الحالات الجمعية حين يستثمر في التعصب والتهييج والعدوانية، والتحمّس الشديد للدمار وللمدمّرين!.