قراءة في المجموعة الشعرية “بوح النجوى”
مجموعة شعرية صادرة عن دار النشر شذا الياسمين، ضمت ٨٩ قصيدة تنوعت مابين النثر والتفعيلة والعمودي حيث طبعت عليها شاعريتها أحزانها وآلامها وقلقها وحبها للوطن فكتبت الإهداء إلى أولادي سر محبتي لهم في قلبي طغى، وسر الأمومة في سربهم عيانا ظهر.
الشاعرة نجوى تغوص في ندوب الذاكرة تبحث عن قناديل لتضيء بها الأفق وتنثرها على أهداب اليقين فقد جاءت نصوصها مرفقة بعبارات القصيد نعم إنها انبعاث وولادة التي تعبر عن الحياة ونلاحظ أن هناك لغة وفن من وحي اللحظة وفي قصيدة أرق تقول الشاعرة:
سمعت ألحان قلبي صرت أفهمها/من مغريات حنيني الثائر القلق/وجامحات أمان لايروضها/أي انحناء يجاري حلبة السباق
وقد نجد أن الحالات الوجودية التي تكابدها الشاعرة من قلق وتوتر وأمل وألم للهروب من الواقع كما نجد النص الشعري والرغبة في الحياة مما يحيل على براعة استخدام الجرس الموسيقي في اختيار المفردات والمماثلة الصوتية الداخلية لتكتب قصيدة عن الشهيد تقول:
تراءى في السماء يشع نورا/كأن البدردثره الحرير/تعانقه الغيوم كأن فيها/إلى جثمانه شوق كبير/إلى جنات عدن سوف يسمو
فمنزله الجديد به جدير
وقد حرصت الشاعرة على التعبير عن إحساسها الفني باستعمالها بساطة المعنى واقتناص فني للصورة والمشهد الشعري المراد التعبير عنه فقد تطرقت إلى مواضيع تهم الإنسان وتثير قصائد الشاعرة نجوى وتعلن بوضوح وجرأة رفضها للظلم والطغيان وقد صاغت شعر المناسبات وفي قصيدة “الجيش” تقول:
في عيدكم لاأظن الشعر يرتسم/ولاخيالي..وتفكيري ولاالقلم/أبطال يا من عرفتم كل ناصية/نصر إبداء وتقديري لكم كرم/أنتم أشاوس حيث النصر يغمرني/حبا لأهلي وجيراني وغيرهم
وتزين الشاعرة مجموعتها بقصائد تمزج بين العلاقة الصادقة والفطرة الأدبية والرومانسية حيث لا تلتزم بنوع معين من الكتابة وتغترف من التراث حيث تستخدم المفردات التي تجدها مؤثرة ومناسبة على الرغم من قلة تداولها في عصرنا الحالي هذه الحرية في التعبير وانتقاء الكلمة تمنح قصائد الشاعرة ألواناً مميزة وتشير إلى إمكانية الخروج عن القوالب المعروفة مادام النبض الشعري دافقاً وفي قصيدة “هزة الروح” تقول:
أطل ياوجد في ليل ذهولي/وياروحي امتطي متن الخيال/إلى عرائس الأحراح طيري/واخلعي العذارواهجري الوقار/وحولي رتلي اي جمال
وظفت الشاعرة الأساطير وعناصر الطبيعة حيث تختلط الصورة الشعرية والمواقف في بعض القصائد فهي تنتقل من مروج العاطفة إلى عتمة الخيبة والعتاب الذي يكون شديداً أحياناً وقد استمدت الشاعرة نجوى اللغة الرمزية وتعميق الدلالة التي تعتمد صفاء الرؤيا بعيداً عن ردود الفعل والانفعالات والأجمل هو المزاوجة بين الواقع والخيال لخلق مناخات متنافرة وفي قصيدة “بوح النجوى” تقول:
لاكنت في الحزن يومي/ولا كان الحزن مني/أبي مات وترك أمي/وانا صرت مهمومة من صغر سني/أمي كانت تسلبني بدمعها/ وتغطيني كلما مشت عني/أخذت برحيلها روحي/وصار الهم شاغلني
في قصيدة “بوح النجوى” التي حملت عنوان للمجموعة تألمت الحروف على فراق الأم الذي أصبح ذكرى حزينة، وكتبت الشاعرة ببعد فلسفي وجودي عن الإرادة الإلهية وماتقدره السماء وماتشاء للعباد فلكل حقيقة إيقاعها الوجودي ونغماتها الكونية وتحولات الحياة وتطورها ونضوجها وفنائها ليس إلا عبارة عن معزوفات كونية وإيحائيات شعرية بجمل بلاغية ورمزية، الشاعرة حاولت أن تضع بصمتها وتحدد الحالة الشعورية من خلال فلسفة الشاعرة الشخصية في الحياة والتي تخلق وترسخ في القلب والوجدان قدرة الاشتقاق وخلق فكر إبداعي مبني على عمق الذات وفي قصيدة “ياأنا” تقول:
إمرحي حول المرايا واعتليها/هل أتى منها زوايا أراضيها/هل عجبت الآن فيها هل رسمت/من جنون حين شح الدمع فيها/كل وشم قد تهادى في عيوني/كل رسم قدتمادى يرتويها
من خلال قراءتي للمجموعة وجدت أن المرأة التي تمتلك موهبة الكتابة والإمكانيات التي تجعل منها قادرة على بث شعرها ومشاعرها في جنس أدبي متميز، فهي تعتمد على الإحساس المعلن والخفي نتيجة الصراع الداخلي وهو ما يجعل المرأة الأقدر على التعبير لشدة إحساسها ورقة تعبيرها عن قضاياها وهمومها ومشاعرها الدفينة هكذا قرأت الشاعرة نجوى في مجموعتها الشعرية “بوح النجوى” وفي نص أخير كتبته الشاعرة لحفيدتها “ليليت” تقول:
فراشة النور.. والحسن في الحسن حور.. بقدومك بكت السماء.. وضحكت الأرض.. والأكوان.. حفيدة لي وللدنيا ثراء. مجموعة تستحق القراءة لأنها ممتعة وعميقة المعاني.
هويدا محمد مصطفى