ثقافةصحيفة البعث

بولس سركو: التّشكيليون السّوريون أثبتوا حضورهم في الغرب

اللاذقية- ياسمين شهيلة

شخصيةٌ فنيّةٌ وطنيّةٌ رسمَتْ طريقها الخاص بأسلوبٍ مميّزٍ جمع بين علم الغربيّين وأصالة تراثِ السّوريّين، إنّه الفنان التّشكيلي بولس سركو من مواليد مدينة دمشق الفيحاء عام 1958، عملَ في مركز الفنون التّشكيليّة بنهاية السّبعينيات، ثم سافر وتابع دراستهُ في معهد (فندر كلين) ببلجكا، وهناك اشتغل بفن البورتريه (الوجوه)، ثم انتقل إلى الدّنمارك راسماً بشغفه الفنيّ بعض الشّخصيات المشهورة في الغناء قبل أن يكوّن مشروعه الفنّي الخاص.

“البعث” التقت مع الفنان التّشكيلي السّوري بولس سركو وكان هذا الحوار الّذي بدأهُ بالحديث عن مشروعه الفنّي الخاص فقال:

**بعد عودتي إلى سورية انشغلتُ بالعملِ على مشروعي الخاص الّذي ارتبطَ بتفاصيل شط البحر، مستوحياً من مهد الفنّ السّوري أوغاريت، فمدينة أوغاريت اشتهرت بالختم الأسطواني الّذي استُعمِل في ختم أجرار الزّيت، حيث يكررون الختم بأسطوانة على العجينة لتظهر نقوش على هيئة أشخاص وحيوانات تمثل جانباً من الحياة اليومية للمدينة، ومثلها القواريرُ الأوغاريتيّةَ المزيّنةَ بخطوطٍ منحنيةٍ تمثل حركة الماء. هذه الحركات التّزيينيّة شكلت العنصر الأساسي في أعمالي، إذ دمجت بينها وبين تفاصيل البحر مجسداً الهوية السّوريّة لهذا العمل الّذي لم ينقطع عن الفنّ العالمي لتتبعه الحداثة الفنيّة العالميّة، فأنا لا أقوم بنسخ الشّكل الأوغاريتي بل أبني عليه وأقدمه بقالبٍ جديد.

* وماذا تحدثنا عن التّأثر بالفنّ التّشكليلي العالمي، وأهم عناصر هذا الفنّ؟

**صحيح أنّنا استوردنا القيمَ الجماليّةَ الفنيّةَ من الغرب، إلا أنّ ذلك لم يؤثر بشكل سلبي على الفنان السّوري، بل كان له دور في تغذية خياله ليصل إلى الابتكار، فاللّوحة خطّ ولون، في اللّون نستطيع أن نلمح تأثر بعض الفنانين على مستوى مدينة اللاذقية باللّونين الأبيض والأزرق الأمر الّذي يمكن أن نعيده إلى طبيعة المنطقة وقربها من البحر، لكن الفنان لا ينحصر في استخدام الألوان الباردة لأن جمال الألوان يكمن فيما تخلقه من علاقة تضاد في الجمع بين لونين بادر ودافئ.

وأضاف الفنان سركو: هنا أعود بذاكرتي إلى مشهدِ النّساء في قريتي وهنّ يحملنَ الجرار ليملأنها بالماء، هذا المشهد الّذي حفر في ذاكرتي شكل الجرار باحثاً عنها في موسوعة جبرائيل سعادة عن حضارة أوغاريت؛ لأتعرف إلى حركة الزّخرفة في ذلك الوقت ودلالتها التي جعلت تجربتي الفنيّة تتخذ مساراً تراثيّاً محدداً.

*من خلال تجربتك الفنيّة الخاصة، ما هي رؤيتك للفنّ التّشكيلي في سورية؟

**موضوع مهم، وقد بدأتُ العمل عليه كموضوع، فالفنّ التّشكيلي في سورية ليس فنّاً عريقاً كالشّعر.. وغيره من الفنون، فقد بدأتْ ملامحه على النّمط الغربي في بدايات القرن الماضي، وفي البداية تأثرت الحركة الفنّيّة بالواقعيّة الاشتراكيّة (الفنّ الرّسمي في الاتحاد السّوفيتي سابقاً) فتميزت أعمال أغلب الفنانين في تلك الفترة بمعالجة الأفكار التّي طرحتها الواقعيّة، وإن كانوا غير واقعيين.

أمّا الثّمانينيات -يضيف سركو- فقد تميّزت بتدخل السّياسة بالفنّ في الغرب، ومنها مؤتمر الحرية الفنيّة في برلين، الّذي ألقى بظلاله على الفنّ؛ إذ فصلوا بين السّياسة والفنّ شكليّاً، وتحدثوا عن الحريّة، وكالعادة تأثر الفنانون العرب بهذه الأحداث دون أن يكون لهم أيّة رؤية مستقبليّة عنها، فبدؤوا بالحديث عن الحريّة بالفنّ، وابتعدوا عن الواقعيّة، وظهر الفنّ الحرّ دون دراسات معمقة حوله.

*إذاً ما هو دور الوعي الفنّي للجمهور في تطور الفنّ؟

**نستطيع أن نتحدث هنا عن دور النّقاد في تحديد ملامح الهوية الفنيّة، والإضاءة على الأعمال الفنيّة، وخلق الوعي الفنّي الذوّاق للفنّ بعيداً عن التّلقين الجاهز من الغرب، والدّعوة إلى أخذ ما يناسب طبيعتنا كسوريّين، ثم نشكل الهوية السّورية للفنّ التّشكيلي، وفي المقابل علينا أن نخلقَ الوعي الوطني لدى الفنان التشكيلي السّوري ليعبّر عما يحتاجه جمهوره الوطني.

*كيف تفاعل الفنّ التّشكيلي السّوري مع الحرب على سورية خاصة وأنك ابن منطقة عانت الكثير من ويلات إرهابها وجرائمها؟ وما هي الرّسالة التّي قدمها هذا الفنّ؟

**بدايةً علينا جميعاً أن نقدّر الفنانين الّذين صمدوا، وتمسكوا بالوطن حبّاً ووفاءً، أما النّقطة الثانية فهي الحديث عن قدرة هؤلاء الفنانين على التّعبير عن الوضع المجتمعي السّوري، ونقل همومه إلى العالم، وقد لاحظت خلال عملي كعضو مجلس إدارة في اتحاد نقابة الفنانين أنّنا عندما كنا ندعو لإقامة معرض (سورية المحبة) مثلاً يبادر جميع الفنانين بتقديم أعمالهم، وهذا دليل على وطنيّة الفنّ والفنانين.

*عاصر الفنّ عدداً من الأحداث العالمية منها الجائحة المرضيّة لانتشار فيروس كوفيد 19 (الكورونا)، حدّثنا عن ذلك؟

**بداية نتحدث عن فترة الحجر النّسبي الذي ساعد بعض الفنانين فجلسوا وقتاً أطول أمام لوحاتهم، أما القسم الآخر فقد شعروا بالتّشويش ولم يستطيعوا التّعبير عن إبداعاتهم المكنونة. لكنّ المأساة الأكبر للفنانين ليست هذه الإجراءات الاحترازية بل غلاء مواد الرّسم؛ فاليوم تصل تكلفة إنتاج لوحة بقياس وسط إلى 30 أو 40 ألف أو أكثر، إضافة إلى انشغال النّاس بهمومهم عن الفنّ، مما أثر على طلب الفنّ ومتابعته.

*أخيراً نريد أن نتعرف إلى رؤيتك لمستقبل الفنّ التشكيلي في سورية؟ وما هي آخر أعمالك؟

** رغم كل السّلبيات التّي تحدّثنا عنها الفنّ التّشكيلي في سورية قطع مرحلة مهمة جداً كاتجاهات وتقنيات، والفنانون التشكيليون السّوريون أثبتوا حضورهم في الغرب؛ فعلى سبيل المثال الفنان عمر حمدي الملقب بــ”مالفا” يعتبر من الخمسة الأوائل على مستوى العالم في استخدام اللّون، كذلك فإن استخدام وسائل التّواصل الاجتماعية لنشر الفنّ السّوري سمح لهذا الفنّ بالانفتاح على العالم، ليصل إلى الفنانين الغربيّين الّذين أبدوا إعجابهم بالتّجربة الفنيّة السّوريّة التّي جمعت بين روحانية الشّرق وعلم الغرب.

أمّا آخر أعمالي اليوم فقد كان وليد استماعي لأغنية على موج البحر بلوحة مميزة سأعرضها قريباً.