رائد التشكيل السوري أدهم إسماعيل في صالة كامل
افتُتح مؤخراً في صالة كامل للفنون الجميلة المعرض الاستعادي لأعمال الفنان السوري الرائد أدهم إسماعيل، ضمّ أكثر من أربعين لوحة بقياسات مختلفة ومنفذة بعدة تقنيات وأساليب، وهذه الأساليب هي التي منحت تجربة الفنان صفة التنوع والبحث، فهو من مواليد انطاكية في لواء اسكندرون 1922 قبل الاغتصاب التركي، أخوه الكاتب صدقي إسماعيل الذي أثر في تجربته الفنية وأكسبها ملامح أدبية، إضافة لتأثره بالمفكر زكي الأرسوزي وأفكاره القومية، مما منح هذه التجربة مشاغل جديدة تجاوزت الجمالية وتداخلت بهمومها الوطنية والقومية، هذه التجربة الطليعية في التشكيل السوري اتصفت بالتعبوية والهمّ السياسي مثلما هي مشغولة بتنوع بحثها الجمالي، فكان رسام الطبيعة والفنان التجريدي المستلهم لجماليات الحرف العربي وفن الأرابيسك والزخرفة الشرقية ورسام المرأة في مكان آخر ورساماً رمزياً حيناً ورسام المواضيع الوطنية التي يغلب عليها الطابع الأدبي، وكان الرجل المتفائل بالوحدة العربية والمؤمن بعقيدتها القومية واستعادة الأجزاء المغتصبة ونصرة تحرّرها، ولشغفه بالموروث الجمالي العربي كان من أكثر الفنانين حماسة لجعل اللوحة التشكيلية ذات هوية تنتمي إلى مكانها وحضارتها، فقد دعا إلى تأصيل الفن التشكيلي من خلال العودة إلى التراث واستلهام جمالياته بروح معاصرة، وقد اطلع على الفن الرافدي وتأثر به. وباعتراف أكثر من ناقد ومؤرّخ جمالي يعتبر أدهم إسماعيل من السباقين في هذا المجال، فقد استطاع تجاوز الفنانين العراقيين لتأثره القوي واهتمامه البالغ بشأن الهوية وعودته إلى الفن الرافدي القديم، فمنذ دراسته الأكاديمية في روما للفريسك وفن الميدالية حرص على الالتحاق بمعاهد خاصة بفن الزخرفة في دراسة خاصة، وهو ما سيلقي بظلاله على أسلوبه الفني الذي كان يميل إلى التعبير المقتضب من غير أن يمتنع عن بعض مما تسمح فيه الزخرفة من ثراء جمالي، كما عُرف بأسلوب الرسم بالخط المستمر وتعتبر لوحة العتال نموذجاً لذلك، ومن المواضيع التي رسمها زلزال أوغادير– بور سعيد– وراء القضبان، ومواضيع أخرى تؤكد تعدّد أساليبه ومواضيعه.
في الأعمال المعروضة حالياً في صالة كامل نجد هذا التنوع واضحاً مما يمنح المعرض صفته الاستعادية الحاضرة بكل جوانب هذه التجربة الكثيفة والقصيرة قياساً لعمر صاحبها، ما يعني أن معرضاً كهذا في دمشق يعتبر من العيار الثقيل كونه مخصصاً لرائد من رواد التشكيل السوري والمعروف بلوحته الأكثر انتشاراً واستخداماً في المناسبات الوطنية والقومية، وهي لوحة الفارس العربي التي نفذ عدداً منها بتقنية الحياكة القماشية لمصلحة جهة حكومية منذ سنوات.
من المحزن أن المعرض شهد إقبالاً محدوداً في يوم الافتتاح، خاصة من قبل الجهات الرسمية والحزبية ومن قبل أولئك المثابرين على حضور الافتتاحات التقليدية لتلك المعارض المشوشة على القيمة الفنية، وهي كثيرة وتكاد لا تنقطع في حضورها عبر وسائط إعلامنا والمنصات الإلكترونية، فيما معرض لأدهم إسماعيل الفنان المؤسّس للفن التشكيلي السوري الهادف والملتزم لا يحضره إلا القلة القليلة؟!.. وللمهتمين، المعرض مستمر هذا الشهر والصالة مفتوحة صباحاً ومساء واللوحات المعروضة تعود لفترة الخمسينيات وبداية الستينيات.
أكسم طلاع