استطلاعات تكشف ترهل أميركا
محمد نادر العمري
سجّلت استطلاعات الرأي داخل الولايات المتحدة الأمريكية تراجعاً ملحوظاً ولافتاً في شعبية الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال فترة ولايته التي لم تتجاوز 9 أشهر فقط، وتسلمه لإدارة البيت الأبيض بعد هزيمة خصمه الجمهوري دونالد ترامب. سبب هذا التراجع هو الهزيمة المذلّة التي لحقت بالولايات المتحدة على أيدي حركة “طالبان” في أفغانستان، وفشل إدارة الرئيس بايدن في إدارة تبعاتها، وخاصة حالة الفوضى المخجلة في مطار كابول.
دونالد ترامب الذي وصفته “نيويورك تايمز” بأنه الراحل الحاضر، لم يستطع حتى الآن التسليم بالهزيمة وقبول الواقع الذي فرضته النتائج الانتخابية، حيث سعى جاهداً لاستغلال هذا التراجع الذي كشفته نتائج الاستطلاع بشكل بشع، وجيّش إمكاناته للشروع في توظيفها بحملته الانتخابية المبكرة لانتخابات عام 2024، وفي هذا الإطار كثف سخريته الواضحة من الرئيس بايدن، واتهمه بالحماقة والتقدم بالسن – فارق العمر بينهما لا يتعدى ثلاث سنوات فقط- ومازال ترامب متصلباً برأيه بأن بايدن مصاب بمرض الخرف، مؤكداً أن سياساته ستؤدي لتحويل أمريكا إلى إحدى دول العالم الثالث.
وفي موضع السخرية ضمن هذا الإطار، تساءلت صحيفة “الواشنطن بوست” في تقرير مطوّل كيف يمكن لترامب الذي احترف الكذب أن يركز على نسيان بايدن اسم رئيس وزراء أستراليا سكوت موريسون أثناء إعلانه عن قيام الحلف الثلاثي الأمريكي البريطاني الأسترالي الجديد، وعلى سرقة صفقة الغواصات النووية من فرنسا؟!.
الجواب في ذلك أن ترامب لم ينسَ جرح الخسارة الانتخابية ويريد الانتقام من الديمقراطيين، ولكنه في الوقت ذاته يريد توجيه رسالة للرأي العام الأمريكي بأنه الرجل القادر على حماية أميركا، وهي إعلان ترشيح للانتخابات المقبلة وإطلاق الحملة في وقت مبكر.
ومن النقاط الأخرى التي ركّز عليها ترامب وأثارها مؤخراً في تصريحاته الموجّهة ضد بايدن هي مسألة المهاجرين، حيث اتهم بايدن بالسماح لأكثر من 16 ألف لاجئ هاييتي بدخول أمريكا عبر تكساس، وهذا الاتهام يؤكد مسعى ومحاولة ترامب العنصرية لجذب ناخبيه البيض، وهو الأسلوب نفسه الذي انتهجه بوريس جونسون، رئيس وزراء بريطانيا الحالي لإخراج بلاده من الاتحاد الأوروبي “البريكسيت”.
معهد واشنطن للدراسات الإستراتيجية يقول: “حقيقة الواقع السياسي وطبيعة التجاذب والصراع القائمة اليوم، سواء من حيث طبيعة الملفات والقضايا الخلافية والتي تشكّل أسس الصراع، تعكس رداءة الطبقة والنخبة السياسية الموجودة في أميركا على مستوى الحزبين”.
والواضح أكثر أن ليس بايدن وحده الذي يعاني من الهرم والخرف على حدّ زعم ترامب، بل أمريكا نفسها التي تتوالى عليها الهزائم ويبدو عليها الاضطراب، وتتراجع مكانتها كدولة عظمى لمصلحة الصين وروسيا في الجوانب السياسية والعسكرية والاقتصادية، ولعلّ السبب الرئيسي هو فقدان النخبة السياسية الكلاسيكية والترهل وشيخوخة رؤسائها، وهو ما انعكس على مؤسساتها العسكرية والأمنية منها على وجه الخصوص، في ظل تناقض واضح بين مقاربتين: الاستمرار في التمسّك بالعنجهية الدولية وتوظيف شعار “أميركا أولاً” أو زعامة النظام الدولي، ومقاربة الواقع الذي تحاول الولايات المتحدة إنكاره وهو صعود قوى أخرى لم تصل منفردة لمستوى القطبية المطلقة في الندية، ولكن تقاربها من بعضها كالحالة الصينية الروسية التي من شأنها أن تسقط الهيمنة الأمريكية بشكل تدريجي عن عرشها الدولي.
لطالما شكّل غياب النخب وترهل الزعامات والمؤسّسات السبب الرئيسي المؤدي لانهيار معظم الإمبراطوريات العظمى في التاريخ، وهو ما يؤكده الفيلسوف بول كيندي منظّر كتاب “صعود وهبوط الإمبراطوريات الكبرى” الشهير.