الحرائق الأخيرة تعود بشريط الذاكرة للعام الماضي ((الزراعة)): استنفار وتأهب مستمران
“البعث الأسبوعية” ــ ميس بركات
بعد ليال طويلة لم يعرف فيها النوم طريقاً إلى أجفان أهالي المناطق الجبلية العام الماضي.. ليال قُلبت بها جميع الموازين ليُصبح النور مرافقاً لعتمتها ساعات وأيام بسلسلة من الحرائق بدأت ولم تُعرف لها نهاية إلّا بعد جهود جهيدة وعناية إلهية وضعت حداً لها بعد أن يتّمت عشرات الفلاحين من أراضيهم والتهمت رزقهم لسنوات قادمة ليست بالقليلة، وبين فعل فاعلين إرهابيين وإهمال الفلاحين، كانت خسائر الثروة الحراجية العام الماضي كبيرة تناسبت طرداً مع الجهود والخطط التي وضعت وبُذلت لتجنب الوقوع في نفس المصيدة هذا العام.
ومن مبدأ “المحروق من الحليب بينفخ عاللّبن”، خرجت وزارة الزراعة بخطة وطنية شاملة وإستراتيجية حقيقية لتنظيم مكافحة حرائق الغابات انطلاقاً من الوقاية والمراقبة اليومية والداعمة والمستمرة بهدف استباق خطر الحريق، وتندرج هذه الخطة ضمن الخطة الوطنية للنهوض بالقطاع الحراجي وينبثق عنها خطط لمكافحة حرائق الغابات على مستوى كل محافظة، الأمر الذي لمسنا نتائجه بشكل كبير بانخفاض عدد الحرائق هذا العام بشكل واضح مقارنة بالأعوام الماضية، لتأتي مساعي وخطط الوزارة أُكلها ولو بعد حين، خاصة وأن المساحة الإجمالية للحراج في سورية ليست بالقليلة إذ تصل لحوالي 528 ألف هكتار منها 232 ألف هكتار حراج طبيعية وحوالي 296 ألف هكتار حراج اصطناعية.
إجراءات مخففّة
مديرية الحراج في وزارة الزراعة لم تُخف تعرض الحراج في سورية لخسائر كبيرة نتيجة الحرائق المتكررة في العديد من المحافظات، حيث بلغ إجمالي عدد الحرائق الحراجية، خلال عام 2020، ما يزيد عن 621 حريقا، وبلغ إجمالي المساحات المحروقة 13277.31هكتاراز وتفادياً لتكرار ما حدث في العام الماضي، اتخذت المديرية مجموعة من الإجراءات التي كان لها الدور الكبير في التخفيف من عدد الحرائق الحراجية، ومن مساحة وانتشار هذه الحرائق، لينخفض عدد الحرائق الحراجية إلى 332 حريقا منذ بداية العام 2021 وحتى تاريخ 4 تشرين الأول الجاري، كما بلغ إجمالي المساحات المحروقة 8443.055 هكتارا. وعلى الرغم من جميع الخطط والاحتياطات الموضوعة إلّا أن نيران الحرائق عادت لتشتعل خلال الأيام الماضية في محافظة اللاذقية باندلاع تسعة حرائق، وساهمت انفجارات ناجمة عن ألغام وعبوات ناسفة من مخلفات المجموعات الإرهابية التي كانت تسيطر على بعض الغابات قبل تحريرها بزيادة التهام الغابات وامتداد رقعتها، لتعود بشريط ذاكرة الأهالي إلى العام الماضي، والخوف من تكرار المشهد والسيناريو ذاته، لاسيّما وأن المكان والتوقيت ذاته، ليؤكد علي ثابت، مدير مديرية الحراج في وزارة الزراعة، استنفار واستعداد وتأهب الوزارة لجميع الطوارئ التي حصلت وستحصل مستقبلاً وسيطرة فرق الإطفاء على الحرائق خلال ساعات رغم الصعوبات الجمّة التي قابلت عملهم.
أعمال شقّ
وبالعودة إلى الخطة الاستباقية الشاملة والتعاون مع الهيئات والوزارات ذات الصلّة بكوارث حرائق الغابات، تحدّث ثابت عن الخطوة الأولى والأهم التي تمت بتشكيل منصة لحرائق الغابات بالتعاون مع الهيئة العامة للاستشعار عن بعد، بهدف تحديد المناطق ذات الحساسية المرتفعة للحرائق من خلال حساب مؤشر خطورة الحريق على الصور الفضائية، وبالتالي استنفار جميع الإمكانيات باتجاه هذه المناطق، ما يوفر سرعة التدخل والسيطرة الكاملة على الحريق؛ كما نُفذت أعمال شق وترميم وتعزيل للطرق الحراجية وخطوط النار واستصلاح وأعمال تربية وتنمية من بداية العام الحالي حتى نهاية الشهر التاسع، إضافة إلى تنفيذ أعمال شق طرق حراجية وخطوط النار القديمة بطول قدره 205.924 كم، وتم العمل على خطة ترميم وتعزيل الطرق الحراجية وخطوط النار القديمة (2538.975 كم)، إضافة إلى شق طرق تخديمية (8.75 كم)، وترميم طرق تخديمية (20 كم)، واستصلاح مساحة 54.2 هكتار لزراعتها بالأشجار الحراجية.
تحريج المواقع المحروقة
أما فيما يخص رصد المساحات المعتدى عليها بالاستثمار غير الحراجي، فقد بلغ عدد قرارات نزع اليد 176 قرارا، خلال عام 2020، بمساحة إجمالية قدرها 268541 م2، حسب ما أكده مدير الحراج، إضافة لوصول عدد قرارات نزع اليد لعام 2021 حتى اليوم إلى 147 قراراً بمساحة إجمالية 3269945 م2.
وأشار ثابت إلى عمل الوزارة على وضع خطة فورية لتحريج المواقع المحروقة والمتدهورة، حيث بلغ إجمالي خطة إنتاج الغراس الحراجية لهذا الموسم حوالي 4 مليون و500 ألف غرسة، وتحسين الغطاء النباتي من خلال حماية المواقع المحروقة وإزالة الأشجار الصنوبرية المحروقة، بحسب خصوصية كل موقع، ودراسة طريقة التدخل المناسبة، واختيار الأنواع الملائمة لظروف المنطقة، إضافة إلى رفع الجاهزية التامة لكافة الآليات ومراكز الحماية وعمال الإطفاء وفرق التربية والتنمية وتكثيف جولات الفنيين على القرى الحراجية والمجتمع المحلي والعمل على نشر الوعي البيئي وتقسيم المنطقة التي تعرضت للحريق إلى مقاسم ووضع برنامج زمني يحدد ساعات العمل ومنطقة التجوال في كل مقسم. وخلال العام الحالي، تم التعميم بموجب الكتاب رقم 1538 / ح 5، تاريخ 16/ 9/ 2021، بوقف منح رخص نقل الحاصلات الحراجية والمثمرة والأخشاب والأحطاب بين المحافظات لمدة شهرين.
إهمال وصعوبات
ولم يُخف مدراء الحراج في المحافظات أهمية الخطط الموضوعة من قبل الوزارة لدرء وتخفيف الوقوع في فخ الأعوام الماضية، خاصّة وأن العام الماضي كان استثنائياً بحرائقه نتيجة الأعمال الإرهابية، حيث أكد مدين علي مدير الحراج في مصياف أن عدد الحرائق هذا العام لم يتجاوز 210 حرائق، موزعة بين حراجي وزراعي، لافتاً إلى أهمية الخطط التي تم وضعها من قبل وزارة الزراعة على مدى العام لتلافي الوقوع في لهيب حرائق الغابات الذي شهدناه العام الماضي، والتي كان أغلبها بفعل أعمال إرهابية؛ أما حرائق العام الحالي فكانت نتيجة إهمال الفلاحين وترك أعقاب السجائر على جوانب الطرقات وحرق مكبات القمامة، إضافة إلى الحرائق الكثيرة الناتجة عن حرق مخلفات أراضي الفلاحين وفقدانهم السيطرة عليها.
وأكد علي الاستفادة من التجارب السابقة والدور الكبير لمنصّة الحرائق في توجيههم إلى الأماكن الأكثر خطورة، ناهيك عن تعيينهم عناصر موسميين وتوزيعهم على مجموعات عمل ضمن المناطق الخطرة، إضافة إلى تزويد المنطقة بـ 8 صهاريج موزعة في المناطق الأكثر حساسية مع فرق مجهزة للإطفاء والتي شاركت بإخماد تلك الحرائق القليلة بكمّها، لكنها أدت في النهاية إلى خسائر في الثروة الحراجية. ولم يختلف الحال في محافظتي طرطوس واللاذقية عن باقي المحافظات، حيث وصل عدد الحرائق في طرطوس هذا العام إلى 440 حريقا زراعيا وحراجيا بخسائر تجاوزت الـ 100 مليون ليرة سورية ناجمة عن فقدان أشجار حراجية، لافتاً إلى الصعوبات الكبيرة التي تعاني منها فرق الإطفاء والمتمثلة بالطبيعة الجغرافية الجبلية الوعرة لأغلب مناطق اندلاع الحرائق الأمر الذي يتطلب جهدا ووقتا أكبر، وعملت المديرية خلال العام على حشد الطاقات المتوفرة في المحافظة لمكافحة الحرائق الحاصلة، كما تم توزيع الصهاريج العاملة على مختلف مواقع المحافظة التي تعتبر ذات حساسية مرتفعة للحرائق.
أما حرائق محافظة اللاذقية، فقد وصل عددها – بحسب باسم دوبا مدير حراج اللاذقية – إلى 49 حريقا حراجيا بمساحة 123,25 دونما، و562 حريقا زراعيا بمساحة 1895 دونما زراعيا، باستثناء الحرائق التي نتج عنها تضرر أراض وغابة صنوبرية على مساحة 150 دونماً في قرية رويسة حبيب، بالإضافة إلى تضرر 200 دونم من الغابة الصنوبرية في قرية بيت زنتوت.
وفيما يخص الحلول المقترحة للحد من حدوث الحرائق، فقد اختصرها دوبا بضرورة تنظيف جوانب الطرقات العامة والفرعية وتعزيلها من الأعشاب وترميم خطوط النار مع رفع جاهزية كافة مراكز الحماية وأبراج المراقبة، كذلك صيانة الآليات والاطفائيات والصهاريج العامة وزيادة عدد مناهل المياه، إضافة لتعيين عمال إطفاء حرائق دائمين ومؤقتين وموسميين والعمل على تأمين كافة مستلزمات المطلوبة، مع زيادة عدد مراكز الحماية وأبراج المراقبة واعداد خطة حرائق موحدة لجميع المحافظات.
قرارات استثنائية
وبالنظر إلى الحرائق التي تمت خلال الأعوام الأخيرة، يُجمع أهل الخبرة على أن أغلبها كان حرائق ناتجة عن التحريق الزراعي لبقايا المخلفات الزراعية وامتداد النيران إلى الأراضي الحراجية؛ وعليه، تم عقد عدة اجتماعات وإصدار القرار رقم 40/ م. و، تاريخ 3/ 5/ 2021، من رئاسة مجلس الوزراء، وتشكيل لجان محلية لكل وحدة إدارية لمراقبة كافة الأراضي الزراعية وإحالة المخالفين إلى القضاء، كما تم تحفيز الأهالي لمساعدة طواقم الإطفاء والتنسيق مع (قيادة الشرطة – مديرية الزراعة – الدفاع المدني – فوج الإطفاء) لتأمين وصول فرقها وتأدية مهامها وحمايتها أثناء القيام بواجبها؛ كما نجمت بعض الحرائق عن اشتعال النار في مكبات القمامة وانتقالها إلى الأراضي الزراعية والحراجية المجاورة لذلك تم الطلب من جميع مديريات الزراعة في المحافظات بموافاة الوزارة بالشروط الفنية لمكبات القمامة الموجودة والقريبة من المواقع الحراجية، وجرى التنسيق مع وزارة الكهرباء ووزارة النقل بخصوص الحرائق الناجمة عن حدوث ماس كهربائي وتسببها باشتعال النار في الأراضي الزراعية والحراجية، كما اشتعلت بعض الحرائق نتيجة إطلاق القذائف من قبل الجماعات الإرهابية المسلحة، ناهيك عن الحرائق التي كانت بقصد الانتقام من عناصر الضابطة الحراجية نتيجة قيامهم بواجبهم.