خطط مؤسساتنا السنوية.. أهداف مرسومة ونتائج مخيبة للآمال
مع اقتراب نهاية كل عام تبدأ الشركات والمؤسّسات العامة باستخلاص حصيلة عملها على مدار العام، ومدى مطابقة النتائج المحقّقة مع ما تمّ التخطيط له في بداية العام، والأخذ بكافة الإمكانيات الموجودة والصعوبات المرافقة لعمل الشركة، لتأتي النتائج في أغلب الأوقات مُخيّبة للطموحات، وبين عوائق آنية لم تكن بالحسبان وسوء في التخطيط تحصد أغلب شركاتنا عدم الرضا عن الناتج المحقّق!.
ويُجمع أهل الخبرة على عدم قدرة شركاتنا ومؤسّساتنا على وضع خطط سنوية موضوعية وحقيقية ومحققّة، لتكون أغلب تلك الخطط خُلّبية كنوع من “المنفخة” والتباهي بقدرة شركاتهم على الإنتاج الكثير الوفير في زمن نحتاج فيه إلى محاكاة أكثر للواقع والإمكانيات القليلة الموجودة من آلات ويد عاملة ومحروقات وغيرها من المحركات الأساسية للصناعة، والتي تفتقدها شركاتنا ومعاملنا دون أدنى شعور بالغيرية على صناعة البلد من أصحاب الشأن.
غياب الدعم
لم تكن إجابات الصناعيين بعيدة عن بعضها عند لقائنا بهم، ليكون الوجع واحداً، ولسان حالهم يقول “هل هناك محاربة للصناعيين”، ويمضي آخرون بعدم إلقاء اللوم عليهم في حال قرروا الهجرة خارج البلد والبدء من جديد في أي بلد آخر يوفر مقومات الإنتاج الناجح، وعلى الرغم من محاولاتنا لتحصيل إجابة واضحة عن فشل الشركات والمعامل بتحقيق خططها السنوية، إلّا أن عجلة ردّهم كانت تعود لتروي معاناتهم مع عدم دعم القطاع الصناعي، ومحاربة الشركات من قبل الكهرباء والتموين والمالية والتأمينات الاجتماعية، والتي بدورها تؤدي إلى فشل تحقيق الخطط الموضوعة.
وتساءل الصناعي عماد قدسي عن تجاهل الجهات المسؤولة لأهمية دور الصناعي بدعم الصناعة السورية والاقتصاد السوري، إضافة إلى تشغيل اليد العاملة وبالتالي تخفيض البطالة، مشيراً إلى ضرورة تقديم التسهيلات للصناعيين كي تستطيع شركاتهم الإنتاج وتحقيق خططها ومنافسة البلدان المجاورة، إضافة إلى إعفاء الصناعيين من جمركة المواد الأولية، ناهيك عن ضرورة إعادة النظر بتنظيم المنطقة الصناعية في القابون من خلال تنظيم الأبنية المهدّمة لا القائمة منها. كذلك لم يبتعد الصناعي سليم الداوود في حديثه عن بعد التخطيط الناجح عن التوجيه السليم للموارد البشرية والمادية في العمليات التجارية لأقصى حدّ لتحقيق الأهداف المرسومة من خلال استخدام الوسائل والأساليب المتاحة لضمان تحقيق الهدف ونجاح الخطة، إذ للأسف لا زلنا ندور في منشآتنا حول المحور الفاشل نفسه تخطيطياً، ونفتقد لأدنى مقومات التخطيط الناجح وخاصة في المرحلة المقبلين عليها من إعادة الإعمار. في حين يؤكد إبراهيم شحادة، صناعي وخبير تسويق في الشركة الهندسية الأولى بحلب، أن عملية التخطيط هي رسم المسار الحقيقي لتحقيق الهدف النهائي للعمليات التجارية من خلال تحديد تسلسل الأحداث المتوقعة بدرجة معقولة من اليقين، فالتخطيط هو الوظيفة الأساسية للإدارة، الأمر الذي يتطلّب الإبداع والتحليل في تحديد فرص العمل والقيود، وتوجيه الشركة نحو أهداف محدّدة مع أوضح رؤية ممكنة للمستقبل، كما توفر خطة العمل تركيزاً للشركة وتوحيد الموظفين حول أهدافها، ويسمح التخطيط السليم للإدارة في أي شركة بتوسيع الأعمال، كما تكون قادرة على مراجعة نقاط الضعف والقوة فيها بسهولة. وصنّف شحادة أهم العوائق التي تحول دون تنفيذ التخطيط بقلّة القيادة الحقيقية في أي شركة، وهذا يعني أن القيادة في أغلب شركاتنا هي مجرد لقب، كذلك الانحرافات المفرطة التي تمنع التخطيط الفعّال من النجاح، لأن عوامل التشتيت تمثل عائقاً كبيراً أمام النجاح، ويعدّ وجود أنظمة لدعم أي إستراتيجية جديدة أمراً مهماً للنجاح، كما تحول محدودية القوى العاملة لإكمال المهام وعدم كفاية الموارد والتمويل دون تنفيذ الخطط، ويمكن أن تؤثر الإدارة السيئة على جميع العاملين والعمليات التجارية لأي شركة بشكل عام.
عدم تكامل
ولم تختلف وجهة نظر الاقتصاد عن الصناعيين، حيث اعتبر زكوان قريط (دكتور اقتصاد) أن التخطيط هو الوظيفة الإدارية الأولى في العمل الإداري وهو أساس باقي وظائف الإدارة، ويؤدي فشلها إلى فشل الإدارة ككل. واعتبر قريط أن نقص البيانات اللازمة للتخطيط وعدم مرونة الخطط الموضوعة، وعدم تكامل الخطط لتكوين خطة شاملة مع باقي خطط القطاع ككل، مع عدم الالتزام بالخطة الموضوعة وإهمالها وتجاهل تطبيقها على أرض الواقع، ناهيك عن وجود خطط مبالغ بها وبعيدة عن الواقعية في التطبيق، من أهم أسباب فشل الإدارات في عملية التخطيط. وقدّم قريط رؤية حول نجاح مؤسساتنا في تنفيذ خططها بأن تكون الخطط شاملة وواقعية ومرنة وملزمة ومعلنة يشارك فيها كلّ خطوط السلطة والمرؤوسون إذا أمكن، مع ضرورة اقترانها بجدول زمني تتبعي للتنفيذ، وتصحيح الانحرافات في أوانها من خلال الخطط البديلة، موضحاً أن السبب الرئيسي لفشل خطط مؤسساتنا هو بناء الخطط على بيانات غير حقيقية “مغلوطة” ينقصها الشمول والمرونة والمتابعة والتنفيذ الفعلي!.
شمولية ومرونة
ومن خلال توجّهنا إلى أرض واقع المؤسّسات لمسنا عدم قدرة أغلبها على إنجاح خططها لأسباب عديدة، أرجعها مدراء التخطيط فيها إلى سوء التنفيذ أو نقص المعلومات، أو وجود سوء فهم أو انحراف في التوجهات، وهذا ناتج عن ضعف العقل المخطّط أو ضعف في كفاءات التنفيذ، حيث اعتبرت غنوة رسول مديرة التخطيط في المؤسسة العامة للصناعات النسيجية أن التخطيط نوع من “ارتكاب الخطأ على الورق”، أي قبل الشروع في التنفيذ وتحديد المسار من مرحلة إلى أخرى، وقد يعرج المرء في طريقه للهدف على منعطفات وطرق جانبية متعدّدة، وإذا لم يتمّ ضبط وتسديد اتجاه المسيرة قد لا يصل المرء إلى هدفه بتاتاً، أو قد يصل إلى مكان آخر غير المكان الذي كان يقصده، منوّهة بأن التخطيط مع الرقابة والسيطرة تتيح للمرء أن يحافظ على السير في الاتجاه الصحيح، لذا لا بدّ من اتباع مؤسساتنا لمقومات نجاح التخطيط والتي تندرج بالشمولية للخطة، والمرونة بحيث يترك المجال مفتوحاً أمام المنفذين ليتصرفوا وفق الخطوط العريضة للخطة وحسب المستجدات الطارئة، لأن معدّي الخطة ومهما كانت درجة دقة البيانات التي اعتمدوا عليها في وضعهم للخطة فلن يتاح لهم الإلمام بكل ظروف المستقبل ومؤثراته وأحداثه المحتملة، إضافة إلى الثبات من خلال تجنّب تعدّد التغييرات والتعديلات المفاجئة وغير الضرورية، مع ضرورة التزام كافة الجهات المعنية باتباع ما ورد في الخطة، كما يجب أن تتسم الخطط بالاستمرارية بحيث لا تنتهي عملية التخطيط بانتهاء مرحلة الإعداد ثم الإقرار، بل تتعدى ذلك إلى مرحلة التنفيذ والمتابعة والتقييم.
وأرجعت رسول عدم قدرة المؤسّسات والشركات على تنفيذ خططها السنوية إلى خروج عدد كبير من الشركات التابعة خارج العملية الإنتاجية، مما أدى إلى انخفاض الطاقات الإنتاجية بشكل كبير وانعكاس ذلك بشكل سلبي على العملية الإنتاجية ككل، كذلك الصعوبة في تصدير المنتجات إلى الأسواق الخارجية نتيجة الحصار والعقوبات الاقتصادية المفروضة على سورية، كما لعب نقص اليد العاملة النوعية وانقطاع التيار الكهربائي والرفّات الكهربائية دوراً سلبياً على العملية الإنتاجية، إضافة إلى صعوبة تأمين القطع التبديلية واستبدال الآلات القديمة نتيجة الحصار المفروض علينا.
ميس بركات