“متلازمة الطفل الأوسط”.. شعور بالإهمال وغياب الشخصية والتورط في مشكلات الكبار والصغار
دائماً ما يشعر الطفل الأوسط في العائلة بكونه المنسيّ والمهدور حقّه بين أشقائه، فهو غالباً لن يضاهي إنجازات الطفل البكر، كما لا يستحوذ على الاهتمام والتدليل كالطفل الأصغر وآخر العنقود. وعلى العكس يشعر الطفل الأوسط في العادة بالاستبعاد والإهمال وسوء الفهم، وغالباً ما يُشار إلى هذه الظاهرة في علم النفس السلوكي باسم “متلازمة الطفل الأوسط”.
تأثير ترتيب الطفل على بناء شخصيته
يؤثر ترتيب ميلاد الطفل إلى حد كبير على تطور شخصيته، فالأطفال الأكبر على سبيل المثال يميلون إلى أن يكونوا أكثر مسؤولية واستقلالية، لديهم شخصية قوية وميول صارمة نحو الكمال، ربما لأن الآباء تعاملوا معهم لأول مرة بحرصٍ بالغ في تجربتهم الأولى في التربية، وكرّسوا القدر الأكبر من اهتمامهم لهم.
من ناحية أخرى، يتصرف الآباء براحة أكبر، وربما بشيء من الاستهتار والتدليل مع الأشقاء الصغار، لذلك يميل هؤلاء إلى أن يكونوا أكثر حباً للمرح وعدم الجدية. ومع ذلك، نظراً إلى أنهم يحاولون دائماً اكتساب الثقة مثل الأشقاء الأكبر سناً، فقد يتصرف آخر العنقود بشكلٍ لافت للانتباه، ويبحث عن الاهتمام والتأثير فيمن حوله، ليصل إلى نفس المكانة.
وبين هذا وذاك يتورط الطفل الأوسط في حالة من الاستبعاد وعدم الانتماء، فهو لا يتم الإشادة به مثل أخيه الأكبر، ولا يتم تدليله مثل شقيقه الأصغر، ما يجعله يشعر بالإقصاء أو الإهمال.
تقول أخصائية التربية ميري والاس لمجلة “أهل” التربوية، “أخبرني طفل أوسط يبلغ من عمره 6 سنوات مرة: في الليل يساعد أبي أخي الأكبر في أداء واجباته المدرسية، بينما تنشغل أمي بتجهيز أخي الرضيع للنوم. وأظل أنا أجلس في الردهة في انتظار أن يلاحظني أحد”. نتيجة لهذه التجارب يمكن للطفل الأوسط أن يشعر بالغيرة والغضب. ويردد العبارة الشهيرة “أنا لا أحظى باهتمامٍ كافٍ”، على حد قولها.
سلوكيات الطفل الأوسط لتعويض الإهمال
يعوِّض الطفل الأوسط نقص الانتباه من أسرته بالتصرُّف إما بشكل متمرّد ولافت للانتباه، أو الاهتمام بشكل بالغ برضا الناس وموافقتهم له؛ معتمداً إلى حدٍّ ما على شخصية إخوته الأكبر سناً. على سبيل المثال، إذا كان الأخ الأكبر منظماً ومسؤولاً فقد يتمرد الطفل الأوسط لجذب بعض الانتباه بإثارة الفوضى، أو يبالغ في التنظيم بحيث يكتسب موافقة الأسرة ومباركتها لسلوكه.
ويقول أخصائيو التربية وسلوكيات الأطفال “غالباً ما يتمادى الأطفال الأوسطون لجذب الانتباه بشتى الوسائل الممكنة، ولهذا السبب يختارون قصّات الشَّعر الغريبة، أو يصبحون متعصبين لفريق فني صاخب، لأنهم يحتاجون إلى رسم شخصية سيئة أو فوضوية بعض الشيء لأنفسهم للفت الانتباه والاهتمام ورعاية من حولهم”.
علاقات خارج الأسرة وصداقات قوية
كما أن الطفل الأوسط غالباً ما يكون أكثر حنكة وتأقلماً وتقبُّـلاً للأوضاع، إذ يتنازل بشكل متواصل طوال حياته تقريباً. وتقول أستاذة الطفولة واستشارية الأسرة ميشيل مايدنبرغ لمجلة “أهل”: “في كثير من الأحيان ينتهي الأمر بالطفل الأوسط إلى الإذعان لرغبات الإخوة الأكبر واحتياجات الإخوة الأصغر، وغالباً ما يُعطَى ملابس شقيقه الأكبر أو يتشارك ألعاب الأخ الأصغر”.
وتلفت الخبيرة أن ذلك يدفعهم إلى البحث عن العلاقات خارج الأسرة؛ لذا غالباً ما تكون لديهم دوائر اجتماعية كبيرة وصداقات متماسكة.
ويميل الأطفال الأواسط إلى التمسك بنفس الميول المتمردة و/أو المُرضية للناس من حولهم حتى خلال مرحلة النضج والبلوغ. وإذا شعر الطفل الأوسط بالإهمال طوال فترة طفولته فقد يعاني من مشاكل الاعتماد على الذات أو الثقة بالنفس.
قد يكون هناك جانب مشرق
في الواقع، قد يكون الطفل الأوسط بمثابة أخ أكبر وأخ أصغر بالنسبة لأشقائه. ويمكنه أن يستفيد من الوضعين؛ فهو لديه شقيق أكبر منه يتطلَّع إليه ويتعلم منه. قد يريه الشقيق الأكبر كيف يربط حذاءه، أو يركب الدراجة. كما يتعلَّم منه بالملاحظة كيفية تجنب العديد من الأخطاء السلوكية التي يرتكبها مع والديه. وإذا ما نضح وهو يتعلم بهذا الشكل من الطفل الأكبر، فسيساعده ذلك على النجاح والنمو بشكل أسرع.
كذلك يستفيد الطفل الأوسط أيضاً من وجود أخ أصغر، حيث يمكن للصغير أن يتطلع له ويعامله بمثابة القدوة، فيبادله الكثير من الحب والمودة. وبالتالي يتعلم الأوسط من رعاية إخوته الصغار والحرص على سلامتهم أثناء اللعب مثلاً، على أن يكون مراعياً وعطوفاً ومُتحملاً للمسؤولية.
دور الأسرة
مثلما يحظى الطفل البكر بالانتباه والرعاية البالغين، يحتاج الطفل المولود في الوسط إلى تجربة القبول والانتماء في أسرته لكي لا يشعر بالغيرة وعدم الأهمية.
ويوضح الخبيران كليف إيزاكسون وكريس راديش في كتابهما المشترك “تأثير ترتيب الولادة” بعضَ الخطوات للتعامل مع متلازمة الطفل المتوسط:
– لا تهملهم:
يقول الكتاب إنه ينبغي منح الطفل الأوسط الاهتمام الكافي حتى لا يشعر بالحاجة إلى لفت الانتباه وإثارة الفوضى لتحقيق الاعتراف ممن حوله. حيث يضطر الطفل أحياناً إلى ارتكاب الكوارث من أجل الشعور باهتمام أهله، حتى وإن كان اهتماماً سلبياً من عقاب ونحوه.
– الوقت الخاص:
اسأل طفلك الأوسط كيف كان يومه؟ واقضِ بعض الوقت بمفردك معه. وحدد موعداً في التقويم حتى يعرف أنه وقت خاص وثابت. فمن خلال التركيز على الطفل الأوسط سيشعر بالاطمئنان أنه لا يقل أهمية عن إخوته.
– الاهتمام بإنجازاته الصغيرة:
هناك ميل لدى الآباء لعدم الشعور بالانبهار والمفاجأة بإنجازات الطفل الأوسط، لأنهم اختبروها بالفعل في الطفل البكر. لكن الاعتراف بإنجازاته الفردية ودعمها وحتى التأكيد له أنها تستحق الاحتفال يجعله يشعر بالقيمة والانتماء.
– تشجيعه على الاختلاف:
لا ينبغي أبداً أن يقارن الآباء أبناءهم بأحد، حتى وإن كان يقارنهم ببعضهم البعض، وخاصة الطفل الأوسط. شجِّعه على أن يكون متفرداً، ولا تطالبه بتقليد أخيه الأكبر، سواء أكان ذلك أكاديمياً أم رياضياً أم فنياً.
– التواصل الصادق غير المشروط:
حافظ على التواصل المفتوح مع أطفالك، وخاصة الأوسط.
فحتى لو شعر هذا الطفل بالتجاهل فقد لا يقول أي شيء. لتصحيح هذا الأمر، تحدث معه بوضوح عن كونه الطفل الأوسط، وما شعوره تجاه الأمر. وإذا ما كان هناك أمر بارز يستحق صب الانتباه على واحد منهم -مثل دخول الطفل الأكبر مرحلة الثانوية مثلاً- تجدر مصارحة الطفل الأوسط بالأمر، ومطالبته بأن يعبّر عن رغبته في الاهتمام إذا ما شعر بالإهمال.