ممثل أمريكي جديد للملف السوري.. هل هناك تحول؟
علي اليوسف
بتاريخ 19/2/2021 عيّنت الولايات المتحدة الأمريكية، إيمي كوترونا، ممثلة خاصة لشؤون سورية “بالإنابة”، وهي التي شغلت مناصب عدة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأمريكا الجنوبية. وتعتبر كوترونا -التي تشغل منصب نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط- وفقاً للمبعوث الأمريكي الخاص لسورية السابق جويل ريبورن دبلوماسية متمرسة وزميلة موثوق بها تتولى زمام مبادرة تنفيذ السياسة الأمريكية بشأن سورية.
قبل أيام قرّر الرئيس الأمريكي جو بايدن استبعاد كوترونا، وتسليم المنصب لـ إيثان غولدريتش بصفته الشخص الرئيسي لواشنطن في التعامل مع سورية، وقد نشر موقع “المونيتور” تقريراً أوضح خلاله قرار الإدارة الأمريكية القاضي بتولّي غولدريتش المنصب. حيث قال التقرير: “على الرغم من أنه لا توجد أي علامة على نهج جديد من قبل إدارة بايدن بالنسبة للملف السوري، إلا أن مسؤولاً جديداً تمّ تعيينه من قبل الإدارة الأمريكية ليكون المشرف على السياسة تجاه سورية، بدلاً من إيمي كوترونا، حيث إن الأخيرة ستتولى منصباً جديداً”.
وقد أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أن غولدريتش، الذي شغل سابقاً منصب القائم بالأعمال الأمريكي في الإمارات المتحدة، تولّى منصب كوترونا كنائب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط، وسيبدأ الانخراط في شؤون سورية. وبحسب تقرير “المونيتور” فإن غولدريتش، في منصبه الجديد، سيشرف على تنفيذ استجابة وزارة الخارجية للأزمة السياسية في لبنان والانهيار الاقتصادي، بالإضافة إلى المشاركة النشطة مع الحليف القديم الأردن.
رغم أن سياسة واشنطن تجاه سورية لا زالت غير متبلورة، إلا أن الجميع يلاحظ الاختلاف بين نهج إدارة بايدن تجاه سورية ونهج إدارة ترامب. لكن على المستوى الإستراتيجي، لا تزال السياسة الأمريكية تجاه سورية قيد المراجعة، ولم يبتعد مسؤولو إدارة بايدن حتى الآن عن نهج عهد ترامب المتمثل في إبقاء القوات الأمريكية في سورية.
اليوم يوجد نحو 900 جندي أمريكي على مساحة من الأراضي السورية لدعم ميليشيات “قسد”، وهم يسيطرون على المنطقة الرئيسية المنتجة للقمح والنفط في سورية. لقد تمّ وضع سياسة إبقاء القوات الأمريكية في سورية تحت رعاية وزير الخارجية السابق مايك بومبيو، حيث رأى مسؤولو إدارة ترامب في ذلك فرصة لحرمان روسيا وإيران من انتصار واضح في المنطقة.
صحيح أن ترامب سعى مراراً إلى التراجع عن تلك السياسة، وسحب القوات الأمريكية من سورية، مشيراً إلى ما سمّاها بـ”الحرب التي لا نهاية لها”، لكن كبار المستشارين رفضوا هذه الأوامر، وقد أدّى الغضب من بعض المسؤولين الأمريكيين إلى التراجع عن أمر الانسحاب الذي أصدره الرئيس الأمريكي السابق ترامب في شهر تشرين الأول من عام 2019.
سورية من المنظور الأوروبي
مع هذه المعطيات الجديدة، بدأ قلق من نوع محدّد ينمو تدريجياً بين واشنطن والعواصم الأوروبية التي لا تزال مهتمة بالقضية السورية، وهناك عدة مصادر لهذا القلق. ومن أهم هذه المصادر أن سورية لا تشكّل أولوية لإدارة بايدن، التي بعثت بإشارات مختلطة حول تطبيق عقوبات ما يُسمّى “قيصر”. واعتباراً من 8 أيلول الماضي، أبدت الإدارة استعداداً لمنح إعفاءات من شأنها أن تسمح بنقل الغاز المصري إلى سورية بما يحقّق فائدة للبنان، كما لا يبدو أن إدارة بايدن تعمل بنشاط على ثني حلفائها العرب عن استعادة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق، فقد أعطت قضية الغاز اللبناني فرصة للوزراء اللبنانيين لزيارة دمشق مرة أخرى في الأول من أيلول الماضي، وجمع وزراء من دول عربية مختلفة مع أعضاء الحكومة السورية في الأردن.
مصدر آخر للقلق هو قضية إرث إدارة باراك أوباما، والتي وفرت أساساً للعمل لموظفي إدارة بايدن. فلطالما اشتبه الأوروبيون في الرئيس أوباما أنه جاد لعقد اتفاق نووي مع إيران والسعي إلى اتفاق مع روسيا بشأن سورية قبل كل شيء.
من وجهة نظر أوروبا، كان الدافع نفسه نحو التوصل إلى اتفاق مع روسيا لإيجاد آلية لتقديم المساعدات الإنسانية عبر الحدود. ففي تموز الماضي ذهبت واشنطن بعيداً في مجاراة موسكو لتأمين القرار رقم /2585/ الصادر عن الأمم المتحدة، والذي سمح بفتح المعبر الأخير للأمم المتحدة إلى سورية من تركيا.
في ظل هذه الخلفية، يعدّ الانسحاب من أفغانستان مصدر قلق آخر، فالخوف هو أن السياسة الأمريكية المتمثلة في “إنهاء الحروب الأبدية” ستطبق بشكل طبيعي على القوات الأمريكية التي لا تزال تعمل في الجزيرة السورية. في الوقت الحالي، يؤكد المسؤولون الأمريكيون لنظرائهم الأوروبيين ولمن يتواصلون معهم أن الأمر ليس كذلك. على عكس المشاركة الأمريكية الضخمة في أفغانستان، فإن العملية في سورية صغيرة الحجم، وتبررها ضرورة منع عودة ظهور تنظيم “داعش”.
ومع ذلك، فإن التطورات على الأرض لا تشجّع الحفاظ على وجود القوات الأمريكية، فقد استعادت الدولة السورية السيطرة على محافظة درعا. وفي واشنطن، سيكون هناك إغراء قويّ للانسحاب من سورية من خلال التوصل إلى اتفاق مع الروس. وفي ضوء كل هذا، يبحث الأوروبيون عن طريقة لإعادة الانخراط بشكل استباقي في سورية، لكن في هذه المرحلة من الحرب على سورية، خفضت الولايات المتحدة وأوروبا ودول الخليج العربية أهدافها، وهذا يطرح السؤال عمّا إذا كانت أهداف كل منهما لا تزال متسقة؟!.
مبادرة الملك عبد الله
لذلك تواجه إدارة بايدن أزمة مصداقية عامة فيما يتعلق بالتزامها الأوسع تجاه الشرق الأوسط وخاصة بعد الانسحاب من أفغانستان. فالموقف العسكري الأمريكي في سورية مثير للقلق بشكل خاص، حيث حذّر الخبراء الإقليميون من الانسحاب. ومع ذلك، في ظل الإرباك الدولي من المرجّح أن تنسحب الولايات المتحدة من سورية. لكن حتى الآن، يبدو أن الإدارة الحالية سئمت الحروب التي لا طائل منها على عكس الجهود الكبيرة التي قادتها الإدارتان الأخيرتان. هذه السياسة المربكة لشركائها تعزّز الشكوك في أن القوات الأمريكية في سورية قد تكون القوة التالية المنسحبة.
وهنا أتاح العاهل الأردني الملك عبد الله الفرصة للقيام بذلك. فخلال زيارته الأولى لواشنطن في ظل الإدارة الأمريكية الجديدة في تموز الماضي، اقترح جهداً دولياً جديداً، حيث حشد مجموعة من الدول المعنية، لتقديم تسوية تمثل الحلّ الوسط عبر روسيا. وأشاد المسؤولون الأمريكيون بالفكرة من حيث المبدأ، لكنهم لم يقوموا بشيء منها سوى تسهيل نقل الكهرباء الأردنية عبر سورية إلى لبنان، ثم سافر الملك عبد الله إلى موسكو لتشجيع الفكرة مع بوتين. فإذا تمّ تطبيق مبادرة الملك بذكاء، يمكن لها أن تساعد في إنهاء الصراع على سورية دون دور أمريكي مركزي بشكل مفرط، ولكنها ستتطلّب دعماً واضحاً من البيت الأبيض.
على الرغم من التساؤلات حول ردّ فعل واشنطن، فإن الملك وكبار مستشاريه سيواصلون دفع المبادرة، وهذا منطقي بالنسبة لعمان، لأن الأردن يستضيف أكثر من مليون لاجئ سوري بتكلفة باهظة، ولا يمكنه تحمّل المزيد إذا استمر الوضع على حاله. كما أن الأردن تواجه “داعش” على حدودها مع سورية، وتحتاج بشكل عاجل إلى عودة اللاجئين واستئناف الحياة الاقتصادية في سورية. ويتفهم الأردن أنه لا يمكن أن يقود صفقة مع موسكو بمفرده، وبالتالي يسعى للعمل من خلال مجموعة من الدول التي يؤدي ضغطها إلى عودة سورية لـ”الوضع الطبيعي”.
كما يدرك الأردنيون أن المجتمع الدولي لا يستطيع الضغط من أجل تحقيق أهداف قصوى مثل رحيل الأسد أو تخلي روسيا عن موقعها العسكري، ولكن في مقابل التخفيف التدريجي للضغوط على الدولة السورية يمكن أن يكون مفتاح النجاح الأردني هو دور أمريكي أكثر فاعلية في حشد دعم الدول الأخرى لمبادرة عمّان.