التوتر يخيم على البر الصيني
ريا خوري
يبدو أن التوتر في البر الصيني يأخذ مساراً مختلفاً عن الكثير من المسارات السابقة، فقد أكد الرئيس الصيني شي جين بينغ أن إعادة توحيد جمهورية الصين الشعبية مع تايوان يجب أن تتحقق بشكل سلمي ودون حروب، محذراً بقوة من أن الشعب الصيني لديه عادة قديمة قِدَم تاريخ الصين وهي معارضة النزعة الانفصالية، أي معارضة أي نزعة تهدف إلى الانتقاص أو اقتطاع أي جزء من الصين، مشدداً على أنه يجب على العالم أجمع ألا يستخفّ بالعزيمة الصلبة والإرادة القوية للشعب الصيني وقدرته الهائلة على الدفاع عن السيادة الوطنية ووحدة أراضيه ومكوناته وهويته.
تناولت وسائل الإعلام العالمية، وجميع الدوائر السياسية في كبرى بلدان العالم ما قاله الرئيس الصيني، واعتبرته رسالة مباشرة إلى قادة تايوان وإدارة الولايات المتحدة الأمريكية، اللذين يقفان عائقاً أمام هدف استعادة وحدة الصين الذي تعتبره واجباً تاريخياً. كما تناولت وسائل الإعلام ذاتها الردّ التايواني التي اعتبرته مدفوعاً من الولايات المتحدة التي تحرض تايوان على الصين، وتشجعها على تحدي القيادة الصينية من خلال تزويدها بالسلاح الفتاك وإجراء مناورات عسكرية مشتركة معها، واستخدامها كورقة ضغط ضد الصين وقيادتها.
يُذكر أن الولايات المتحدة كانت قد رفضت الاعتراف بالصين الشعبية منذ قيامها عام 1949، واعترفت بنظام “شيان كاي شيك” في جزيرة تايوان، واستمر هذا الرفض حوالي ثلاثين عاماً متواصلة مرّت خلالها العلاقات بين الولايات المتحدة والصين بمنعطفات خطيرة تجسّدت في الحرب الكورية وحرب فيتنام، قبل أن تبدأ بالانفراج في عهد الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون، ثم الاعتراف المتبادل عام 1979، حيث أقيمت علاقات دبلوماسية بين البلدين، واعترفت الولايات المتحدة بالصين كممثل رسمي وحيد، وقطعت علاقاتها مع تايوان مؤقتاً.
الولايات المتحدة الأمريكية لم تقطع علاقاتها كلياً مع تايوان، بل احتفظت بعلاقات تجارية وثقافية معها، كما لا تزال أهم حليف أمني قويّ لها، وهذا ما يشكل عقبة رئيسية أمام توحيد تايوان مع الوطن الأم الصين، ويشكل بالنسبة للعاصمة الصينية بكين خروجاً أمريكياً على الاتفاقات الموقعة بين البلدين في سبعينات القرن الماضي.
في الأسابيع القليلة الماضية أخذ التوتر منحى جديداً وجدياً بين الصين وتايوان في أعقاب قيام مدمرة أمريكية بعبور مضيق تايوان مزوّدة بصواريخ، حيث اعتبرت القيادة الصينية ذلك استفزازاً لها، وقامت بالمقابل بإجراء مناورات جوية وبحرية قبالة الساحل التايواني شاركت فيها نحو 150 طائرة حربية متطورة في رسالة قوية ذات مدلولين: الأول، أن القيادة السياسية والعسكرية والأمنية الصينية لن تتخلّى عن استعادة تايوان، حتى لو استدعى الأمر استخدام القوة العسكرية بشكل عنيف ومدمر. والثاني أن التحالفات التي تعمل الولايات المتحدة عليها لتطويق الصين لن تجدي نفعاً أمام سعي القيادة الصينية في طريق البناء والتطوير والتحديث، والقيام بتحقيق فكرة التنمية وتعزيز قدراتها الاقتصادية والعسكرية والأمنية.