ما بعد ميركل..
هناء شروف
أصبحت النهاية الوشيكة لولاية أنجيلا ميركل التي استمرت 16 عاماً كمستشارة ألمانية، فرصة للتفكير بمساهماتها في تنمية ألمانيا ودورها في قلب الاتحاد الأوروبي.
الصورة العامة لـ ميركل هي صورة زعيم ذكي وعقلاني، فقد تأثر الكثيرون بخطبها الهادئة والمقنعة في وقت مبكر من الوباء، والتي طلبت فيها من الناس البقاء في المنزل وارتداء الأقنعة. كانت زعيمة مؤثرة على الساحة العالمية، وكان يُنظر إلى خلفيتها العلمية -دكتوراه في الكيمياء- قبل مسيرتها السياسية، على أنها تشكّل نهجها العقلاني والبراغماتي والذي تجلّى في عملها الحاسم لاحتواء الوباء من خلال إغلاق المدن في ألمانيا.
وفيما يتعلق بالعلاقات الخارجية لألمانيا، يُنظر إلى ميركل على أنها لائقة وواقعية، وتستخدم بمهارة قنوات مختلفة للبحث عن بيئة خارجية مستقرة. لقد أدارت بدقة العلاقة الحاسمة بين ألمانيا وفرنسا لتعزيز الاستقلال الاستراتيجي للاتحاد الأوروبي، وأثبتت أيضاً قدرتها على بناء علاقات ألمانية روسية مستقرة من خلال الفصل بين الجوانب السياسية والاقتصادية.
خلال 16 عاماً في منصبها ساعدت ميركل في تعزيز وحدة الاتحاد الأوروبي بشأن الشؤون الأوروبية حتى يمكن توحيد أوروبا وإن لم تكن متجانسة. كما أظهرت ألمانيا كقوة أساسية في الاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي واجهت فيه تحديات مختلفة مثل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ووباء كوفيد-19، وتغيّر المناخ، وعلاقات الاتحاد الأوروبي مع الصين والولايات المتحدة.
يتساءلُ البعض عما إذا كان نفوذ ألمانيا سوف يتضاءل مع نهاية عهد ميركل، لكن في الواقع تركت ميركل إرثاً غنياً لألمانيا وأوروبا والعالم. وباعتبارها واحدة من أعظم قادة القرن الحادي والعشرين، فقد ساعدت في تشكيل العلاقات الخارجية المستقرة نسبياً بين الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
لكن ماذا بعد ذلك؟. نظراً للتحديات المستمرة للوباء، والتوترات الجيوسياسية المتزايدة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، والاضطرابات في أفغانستان ودول أخرى، فإن الكثير من المخاوف ستظلّ باقية في ألمانيا ما بعد ميركل والاتحاد الأوروبي. هل هناك زعيم آخر يمكنه أن يتولّى دور ميركل ويشكّل حكومة مستقرة جديدة في ألمانيا ويساعد في بناء مجتمع أوروبي متكامل؟. هذه أسئلة مهمّة بالفعل، بالنظر إلى التحديات العالمية المقبلة.
أشارت ميركل خلال مؤتمر ميونيخ للأمن لعام 2021 إلى أن “التعددية هي أساس كل ما نقوم به”، فالأمل هو أن تستمر هذه الرؤية بعد مغادرة ميركل المشهد السياسي.