أوروبا تفقد البوصلة
ريا خوري
بعد أن أنهى رحيل آخر جندي أمريكي تدخلاً عسكرياً للولايات المتحدة الأمريكية دام عقدين في أفغانستان، علت أصوات داخل الاتحاد الأوروبي مطالبة بـضرورة تشكيل قوة دفاعية أوروبية تندرج ضمن تحفيز سياسة العاصمة البلجيكية بروكسل، التي ترمي إلى إثبات أن التكتل الأوروبي له ثقل سياسي واقتصادي كبير، يتواءم مع الحضور العسكري والدبلوماسي الدولي. لكن هذا التكتل تلقى ضربة موجعة ثانية بعدما قامت الولايات المتحدة بعقد اتفاق مع أستراليا لتوريد خمس غواصات نووية بقيمة 56 مليار يورو الأمر الذي اعتبرته فرنسا “خيانة” أمريكية بكل المعايير، وطعنة في الظهر الأوروبي جعلته في حالة من عدم التوازن.
ولهذا الغرض، اجتمع القادة الأوروبيون الذين يمثلون سبعة وعشرين دولة في سلوفينيا يوم الأربعاء الماضي في محاولة منهم للملمة شتاتهم والاتفاق على موقف موحد يجمعهم، ومناقشة خطة إستراتيجية محكمة حول دور الكتلة الأوروبية في الساحة الدولية ، حيث شدد رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل على الحاجة إلى شركاء أقوياء وحلفاء أقوياء يعتمد عليهم.
وخلال الاجتماع، أعاد وزراء دفاع دول الاتحاد الأوروبي النظر في اقتراح قدم للمرة الأولى في شهر أيار الماضي والذي يهدف إلى تشكيل قوة عسكرية قوامها خمسة آلاف عنصر في إطار مراجعة إستراتيجية الدفاع لدى الاتحاد الأوروبي التي يفترض أن تنتهي العام المقبل.
لكن الجدير ذكره أنه كان هناك شكوك كثيرة حول قدرة الأوروبيين على التوصل إلى مثل هذا المشروع، لكن جوزيب بوريل الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية أكد أن انسحاب الغرب بشكله السريع والفوضوي من أفغانستان سيكون على الأرجح عاملاً محفزاً في محاولات الاتحاد الأوروبي لتطوير دفاعاته المشتركة، مضيفاً أنه يتعين تشكيل قوة عسكرية للرد السريع في إطار ذلك. واعتبرت وزيرة الدفاع الألمانية كرامب كارنباور أنّ العبرة مما جرى في أفغانستان هي أنه علينا أن نصبح مستقلين أكثر بصفتنا أوروبيين، وأن نكون قادرين على التحرك بشكل عملي مستقل أكثر، مؤكدةً أنه من المهم جداً ألا نتصرف كبديل عن حلف شمال الأطلسي.
لكن دول الاتحاد الأوروبي المنقسمة على نفسها بين دول شمال القارة ودول البلطيق تدعو إلى توخي الحذر وأخذ الحيطة، والحفاظ على العلاقة الإستراتيجية عبر الأطلسي من خلال المظلة الأمريكية، بينما تدعو دول مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا إلى سياسة دفاعية مستقلة، وهناك دول تريد التعاون مع روسيا والصين. هذه الخلافات لم تتوقف، فقد استجدت حالة انقسام جديدة حول انضمام ست دول شرقية إلى الاتحاد – ألبانيا – البوسنة -صربيا -مونتينغرو -كوسوفو – مقدونيا الشمالية، إذ إن دولاً أوروبية دعت إلى التريث قليلاً في قبول عضوية هذه الدول، لكن الاتحاد الأوروبي وجد صيغة حل وسطاً تؤكد ضرورة الالتزام بعملية التوسيع، أي أنه لم يسقط فكرة الانضمام بشكل نهائي، لكنه أجّلها إلى حين، وبالتالي تأجيل ما اجتمع من أجله الأوروبيون.