بمناسبة عيد العرب.. “عرب ملوكا وعرب مكان”
احتفى اتحاد الكتّاب العرب بعيد العرب، بالتعاون مع مؤسسة القدس الدولية واللجنة الشعبية العربية السورية لدعم الشعب الفلسطيني وجامعة الأمة العربية ومؤسسة دار الشمال للدراسات اللغوية والتاريخية، بمناسبة مرور أربعة آلاف وثلاثمئة وستين عاماً على أول ذكر للعرب في النقوش العربية القديمة، بصيغتها العمورية والأكادية.
وقدّم الدكتور محمد بهجت قبيسي محاضرة بعنوان “العرب العموريون في العراق وسورية ومصر 1793-1535 ق.م.”، استهلها بالتعريف بيوم العرب الذي ولد في 10 تشرين الأول عام 2010، وبيّن فيها أن أول ذكر للعرب ظهر بحسب النقوش الأكادية في زمن الملك الأكادي شاروكين.
وذكر قبيسي أن “عرب ملوكا” و”عرب مكان” ورد ذكرهما في كتاب إسرائيل ولفنسون “مدخل إلى اللغات السامية”، وقال إنه بعد البحث والتقصي في نقوش حضارات المنطقة من عمورية وأكادية وكنعانية وآرامية ومصرية، وجد أن الملك شاروكين عربي، ومعنى اسمه “المشير المكين”، بمعنى “الملك القوي”، وفي زمن ابنه الملك نازان ورد اسم “كعبة مكّان”.
واستحضر قبيسي أهم أباطرة العرب الذين حكموا روما، أمثال بأس يانوس أرابيكوس، وسمّته أمه “جوليا دمنا” باسم “كركلا”، ويعني بالآرامية “قوة الله”، ووالده “سبطيم سفير” أعظم إمبراطور حكم روما. وذكر أيضاً هادريان وأنطونينوس بيوس ومرقس أورئيل وكومودوس وماركوس أورليوس أنطونيوس وغيرهم، من الذين كان لديهم إنجازاتهم على المستوى العالمي وجذوره كنعانية.
وتطرّق د. قبيسي خلال المحاضرة إلى رعمسيس الثاني وسبب تسميته بـ”شامي الهوى”، مشيراً إلى ثلاثة ملامح تدعم هذه التسمية، الملمح الأول عسكري: ففي السنة الخامسة من حكم رعمسيس الثاني قام بحملته الشهيرة في سورية وتجلّت بمعركة قادش، وأعانه العموريون في جنوب بلاد الشام، لكنه كاد أن يخسر المعركة الحطّيون (الحثيون) من الغرب ومن الجنوب، وتجمع المصادر أنه لولا تدخل فرقة عسكرية من الكنعانيين لكان الوضع خلاف ذلك، وتساءل الدكتور قبيسي: هل ينسى رعمسيس ذلك؟.
أما الملمح الثاني فهو احتفاله بإعادة عبادة الإله “ست” الرافدي زمن العرب العموريين (الهيكسوس)، وتجلّى ذلك في اللوحة الشهيرة المسمّاة “الأربعمئة”. والملمح الثالث هو تسميته لابنته البكر من نفرتاري، فقد سمّاها باسم عربي كنعاني/عموري، هو “بنت عناة”، وعناة هي أخت الإله “حدد”، إله البرق والأمطار. وبيّن قبيسي أن ذكر حدد وعناة لا يفتر عن الألسن في بلاد الشام، التي تعتمد في موسمها الزراعي على الأمطار وخير السماء الذي يحدّده حدد، وهو رعمسيس الثاني “شامي الهوى”.
وانتقل الدكتور قبيسي إلى لغة إيبلا التي عرفت “التمويم”، وذكر أمثلة توضح الفكرة، إذ إن كلمة “بيتوم” يقابلها “بيتٌ”، و”حامضوم” يقابلها “حامضٌ”، وهنا توقف ليلفت الانتباه إلى وجود صوت الضاد في كلمة حامضوم، وكلمة “وضاؤم” التي يقابلها “وضوءٌ”، وحذّر من مخاطر حرف التاريخ العربي عن مساره، وأصرّ على ضرورة تدوين تاريخ العرب وحفظه، من مبدأ أن حقيقة الشعوب بماضيها وواقعها ووقائعها وآثارها وجغرافيتها، مشيراً إلى أن الكيان الصهيوني يسعى لطمس هوية العرب وتاريخهم الحقيقي، بغية تفتيت المنطقة بدبّ الفتنة والفرقة بين أبنائها على غرار المقولة “فرق تسد”. ودعم الدكتور قبيسي كلامه ببيانات وجداول وصور وخرائط ونقوش، كان قد جمعها على مدى سنين بحثه وتمحيصه، وذكرها في مؤلفاته العلمية الشهيرة.
لا شك أن هذه المناسبة (عيد العرب) تحمل من الأهمية ما يوجب علينا تسليط مزيد من الاهتمام على تاريخنا ولغتنا وحاضرنا، ويجب أن تدفعنا إلى التنقيب عن الوثائق والنقوش القديمة لإيجاد مزيد من الأدلة التي تقرّب أبناء الأمة بعضهم من بعض، ودحر المدخلات الصهيونية في التاريخ، والتي ترمي إلى تفريق العرب وعدّهم أمماً مختلفة.
علاء العطار