التشكيلي نذير إسماعيل في حصاد الغياب
مرّت منذ أيام ذكرى رحيل الفنان التشكيلي السوري نذير إسماعيل 1948- 2016 العلامة البارزة في التشكيل السوري، تاركاً خلفه مجموعة كبيرة جداً من الأعمال المهمّة والتي أثرت وستؤثر لاحقاً في مسار التعبيرية للفن التشكيلي السوري التي تحظى باهتمام بالغ من جيل الفنانين الشباب، ومن قبل الذين تتمحور أعمالهم حول فن البورتريه تحديداً، فالوجه عند نذير إسماعيل مكرر ومقلوب في اللوحة بملامح غائبة أو منهوبة، وكأن الفنان يسبر ذلك المؤلم فينا. لم يكن يرسم أناساً يقطنون الغيم بل أولئك المسلوبون والمتعبون من بهجة الحياة، يمشون معنا وقد يشربون الشاي وحيدين على رصيف، يصفنون في أيامهم كأولئك القاعدين في حافلة تزدحم بأنفاس ركابها، لنتأمل وجوه الناس في هذه الحافلة! إنها لوحة نذير إسماعيل الذي يطلق عصفوراً في فضاء من الدخان!.
حدثني يوماً أن الصنعة والمهارة لا تعني الفن والفن ليس مهنة، الفن ذلك الفضاء الحر الذي يُعاش بشغف مثل حلم الصبي الذي يسكن الميتم مع باقي الأطفال اليتامى ينتظرون نهاية الأسبوع ليخرجوا إلى هامش أقاربهم، عماتهم، خالاتهم، وليكبروا على عجل في هذه المدينة، نعم هكذا كان “أبو مهند” في نهاية الخمسينيات، الصبي الذي يكبر في مدينة تتسع أحشاؤها لكل الغرباء، هذه المدينة التي ألهمته هذا الشغف بمفرداتها المبعثرة: يا لروعة المشي والتأمل في شوارعها وناسها!.. هنا مكمن السر في فن نذير إسماعيل العلوق بالابتكار والنبش في الأثر والشجاع في تصديره مبتكراً حلولاً جديدة لما تهمله الحياة، حيث يذهب “بلعنة الجمال” نحو التعبير والاختزال والتلميح دون ولوج عالم البهجة الغريب عنه، يذهب نحو حكمته التي اكتسبها من خلال عينيه، على ما وقعت، لتقع في نهاية العمر داخل جسده ويموت.. لروحه الرحمة والسلام.
نستذكر هذا الفنان في ذكرى رحيله الخامسة التي مرّ عليها بعض الأصدقاء عبر صفحاتهم الزرقاء دون فعل أي شيء، مثلهم مثل اتحاد التشكيليين العتيد الذي كان مشغولاً باستضافة أحد نجوم الدراما السورية في ندوة مفتوحة أحدثت ردّة فعل عند بعض التشكيليين الذين أبدوا بعض الاستياء من هذا التكريم الاستعراضي وتجاهل أهل البيت لأبنائه التشكيليين، عاتبين على اتحادهم تجاهل تلك القامات التي مرت على الحياة التشكيلية وأغنتها، واليوم منهم أحياء وعلى حافة نهاية العمر ولا يتذكرهم أحد، وقد ذكر البعض اسم الفنان مأمون الحمصي الذي كتب على يومياته: لا أبحث عن تكريم.. أبحث عن وطن يحتضنني، ويتسع لشيخوخة بحجم شيخوختي.. وطن يكون خير ضمان لحياتي ومتاعبي الصحية.. وطن يكون احتضانه لي هو أكبر تكريم لي ولأعمالي.
مثل مأمون الحمصي عدد كبير من مجايليه، وكذلك مثل نذير إسماعيل أيضاً من رحلوا دون وداع!!.
أكسم طلاع