ضعف الخليّة الأولى
عبد الكريم النّاعم
من البداهة في علم الاجتماع أنّ الأسرة هي الخليّة الأولى في البنيان الاجتماعي، وبقدر ما تكون تلك الخليّة سليمة تنتج أجيالاً سليمة، ويأتي في الدرجة الثانية المدرسة، في مرحلتها الابتدائيّة، لأنّها امتداد للسنوات الأعمق تأثيراً في بنيان الطفل، وباعتبار أنّ التّساوق بين الأسرة والمدرسة ليس واحداً، وتطوّر العمليّة التربويّة التعليميّة يسبق تطوّر الأسرة، في البلدان الطّامحة إلى النموّ، فإنّ التّركيز على مرحلة التعليم الأساسي مطلوب بإلحاح، ولاسيّما أنّ الدوائر الغربيّة المشبوهة تخطّط لسنوات وسنوات، وقد نُقل أنّها عقدت لقاءاتها الخاصّة للتخطيط للقرن الواحد والعشرين، واتّخذت مقرّرات خطيرة، منها إحياء نزعات القبيلة والعشيرة والمذهب والطّائفة والدّين في أنحاء البلدان المستهدّفة، ونحن منها، لسببين: موقعنا الاستراتيجي من العالم، ووجود الكيان الإسرائيلي، ولا شكّ أنّ عشريّة النّار في سوريّة كانت تطبيقاً لتلك الرؤى الحاقدة، وهذا يفترض أن تكون البلدان المستهدَفة على بصيرة من كلّ خطوة تخطوها، في مرافق الحياة، وتنشئة أجيال سليمة قادرة على النّهوض، والتّجاوز، والتخلّص من المُعيقات الموروثة، والمستجدَّة.
الأسرة في بنياننا الاجتماعي ليست واحدة، بل ومتفاوتة، فهي تتراوح بين الجاهلة تقريباً، والتي ألمّت ببعض ثقافة العصر، أقول “ثقافته” لا تكنولوجيته المحصورة في استخدام الأدوات الضروريّة الشائعة من تلفزيون وغسّالة، وهاتف، وموبايل.
إذا نظرنا إلى السّائد في بنياننا الأسريّ نجد أنّ الغالبيّة على حدود الجهل بأصول التربية والتّنشئة، ولم تعد المدرسة وحدها مَن يُسهم في تربية هذه الأجيال، فقد أُضعِف دور المعلّم لدرجة أنّ حضوره في الصفّ صار مجرّد حضور وظيفيّ بعيداً عن دور التربية المنوطة نظريّاً به في هذه المرحلة، وذلك لأسباب عدّة يأتي في طليعتها تلك الأوامر الإداريّة التي جعلت المعلّم يشكو من جرأة طلاّبه عليه، بل ومن وقاحة بعضهم، فلم يعد المعلّم مهاباً كما كان في الماضي، بل استغلّها الطّالب الوقح، وما أكثر وقاحة ما نسمع، صار التلميذ يقول لأستاذه متحدّياً إياه، أمام زملائه في المدرسة: “أستاذ لا تغلط، أنا أعرف حقوقي”، فما يملك الأستاذ، بل والإدارة إلاّ الانصياع، وكبت الغضب، والإغضاء على ذلك القذى!!.
يؤخَذ على المتحمّسين لهذا النّمط من التربية أنّهم نقلوا ما جعلوا منه نهجاً نقلاً حرفيّاً عن بلاد في غاية التقدّم، والرقيّ، وصبّوها كما هي في بلدان تعتبر من أعلى بلدان نسبة في الأميّة الثقافيّة والتعليميّة.
قالوا لا نريد أن نبني جيلاً بناء يقوم على الخوف في المدرسة، ونسوا كلّ التخويفات الأخرى في العديد من مواقع الحياة، وما أكثرها، حتى لكأنّ المدرسة خليّة معزولة عمّا حولها!!.
لقد تمّ تقليص دور المعلّم من دور المربّي المُفترَض، ليصبح دوراً تلقينيّاً، أو تنفيذيّاً للخطة الواردة في المنهاج، وبشيء من الانكسار، والتراجع الممضّ.
لا أريد أن أغوص أكثر، فلقد وضُحت الفكرة كما أعتقد، وأحيل مَن يشكّك في ذلك على ظاهرة التسيّب المنتشرة في المجتمع بين الشباب والشابات، ولاسيّما مَن هو في سنّ المراهقة، فهذا يُخاصر زميلته في الشارع، في حيّ شعبيّ فقير، وربّما تخيّل نفسه أنّه يعيش في أجواء مدن الغرب المتحرّر حتى التسيّب فيما يتعلّق بهذا المجال!!.
لقد انتشرت الكافتريات في الأحياء المتطرّفة، وفي غيرها انتشاراً مريعاً، ومعظمها، إن لم تكن كلّها، محاطة بالزجاج العاتم، لتستر ما يجري فيها من تصرّفات ليست من أخلاق هذه البلاد التي عرفناها، وثمّة مَن لايهمّه إلاّ الربح، وهذا كلّه يحتاج إلى مراجعات تستدرك بعض الأخطاء، لأنّ الرجوع عن الخطأ فضيلة.
aaalnaem@gmail.com