معركة الغاز
هيفاء علي
يتحدث خبراء الاقتصاد الأوربيون عن انفجار في أسعار الغاز في اللحظة الحرجة للانتعاش الاقتصادي بعد الآثار الكارثية لعمليات الإغلاق التي أعقبت تفشي جائحة كورونا في عام 2020. ويرجعون السبب في ارتفاع سعر الغاز العالمي إلى زيادة الطلب وانخفاض العرض، ما يخفي إطاراً أكثر تعقيداً تلعب فيه العوامل المالية والسياسية والإستراتيجية دوراً رئيسياً. وفي الوقت الذي تضغط فيه واشنطن على دول الاتحاد الأوروبي للابتعاد عن الاعتماد على روسيا لتزويدها بالطاقة، ولا تتوقف عن التعبير عن امتعاضها من مشروع خط الأنابيب “نوردم ستريم2″، انطلق تشغيل الخط وتمّ ملؤه مؤخراً بالغاز الروسي بغية إرساله إلى أوروبا.
نتيجة لهذا الضغط، تراجعت العقود طويلة الأجل مع شركة “غازبروم” لاستيراد الغاز الروسي في الاتحاد الأوروبي، بينما زادت المشتريات في الأسواق الفورية، حيث يتمّ شراء أسهم الغاز، والتي يتمّ دفعها نقداً. وبحسب الخبراء، يتمّ شراء كميات ضخمة من المواد الخام المعدنية والزراعية بعقود مستقبلية تنصّ على تسليمها في تاريخ محدّد وبالسعر المتفق عليه وقت التوقيع. وتتمثل إستراتيجية المجموعات المالية القوية التي تضارب على هذه العقود في تضخيم أسعار المواد الخام (بما في ذلك المياه)، من أجل إعادة بيع العقود الآجلة بسعر أعلى. وللحصول على فكرة عن حجم المعاملات المضاربة في البورصات فإن بورصة شيكاغو التجارية الأمريكية على سبيل المثال، ومقرها شيكاغو ونيويورك، تنفذ 3 مليارات عقد سنوياً بمبلغ مليون مليار دولار. في عام 2020، عندما كان الاقتصاد العالمي مشلولاً إلى حدّ كبير، وصل عدد العقود الآجلة وما شابه ذلك إلى أعلى مستوى له على الإطلاق بلغ 46 ملياراً، بزيادة 35٪ عن عام 2019، مما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية.
في الوقت نفسه، تضغط الولايات المتحدة على الاتحاد الأوروبي لاستبدال الغاز الروسي بالغاز الأمريكي. في عام 2018، مع الإعلان المشترك بين الرئيس ترامب ورئيس المفوضية الأوروبية يونكر، التزم الاتحاد الأوروبي باستيراد المزيد من الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة من أجل تنويع إمدادات الطاقة الخاصة بها، على الرغم من أن الغاز الأمريكي أغلى بكثير من غاز روسيا.
يضاف إلى كل هذا “حرب أنابيب الغاز” التي جعلت إيطاليا تدفع ثمناً باهظاً لها عندما قامت إدارة أوباما، بالتعاون مع المفوضية الأوروبية، في عام 2014، بإغلاق خط أنابيب الغاز “ساوث ستريم”، وهو في المرحلة المتقدمة من البناء. إذ بموجب الاتفاقية بين إيني (الشركة الوطنية الإيطالية للهيدروكربونات) وغاز بروم، كان من الممكن أن يجلب الغاز الروسي مباشرة إلى إيطاليا، عبر البحر الأسود، بأسعار منخفضة. لقد تجاوزت روسيا عقبة خط التدفق التركي، الذي يجلب الغاز الروسي عبر البحر الأسود إلى منطقة تركيا الأوروبية، ويستمر في البلقان لتزويد صربيا وكرواتيا. في 29 أيلول، وقعت شركة “غازبروم” وشركة “ام في ام اينرجي” في بودابست عقدين طويلي الأجل لتوريد الغاز الروسي إلى المجر بأسعار منخفضة لمدة 15 عاماً، وبالتالي تبدو هزيمة واشنطن مثقلة بحقيقة أن المجر وكرواتيا جزء من الناتو، الأمر الذي قد يجبر واشنطن على الاستجابة ليس فقط اقتصادياً، ولكن أيضاً سياسياً واستراتيجياً بحسب خبراء الاقتصاد.