المهام العليا تحتاج أكفاء في القرار والتنفيذ
من المجمع عليه، أن أوضاعنا الاقتصادية العامة تتفاقم منذ سنوات، خلافاً للأفضل الذي كانت تعد به الحكومات المتعاقبة، إذ يندر أن صدقت الوعود، بل حدث أكثر من مرة أن المأمول كان خلاف الموعود، وكثيراً ما كان الأمل بحكومة جديدة أعقبت سابقتها، ولكن لم يتحقّق ذلك، وقد صح المثل لا تحسب الفول إلا مكيول، ومن دقق ملياً لاحظ –في العديد من الأمكنة- أن إكمال الهدم كان بديلاً عن إعادة الإعمار، وبعد صبر مديد كان الأمل بالجديد، ولكن شهوراً مضت والأمور تتفاقم. ما يجعل من الجائز القول: وكأننا بين يدي حكومات يتخلّلها بعض من بيدهم القرار والتنفيذ المتعمد الإساءة للبلد، وللشعب الصامد ولأهداف حزب البعث العربي الاشتراكي وفكره الرائد، حتى أن كثيراً من المتطاولين بدأوا يتناولون الفكر السليم والنهج القويم ويغضّون النظر عن أهل التنفيذ الوخيم.
قد يقول قائل نحن في حصار قانون قيصر، ولكن قانون قيصر حديث العهد، والتنفيذ الوخيم بدأ العمل له من عملاء قيصر الداخليين، غير أن الحكومات المتعاقبة التي كان عليها اعتماد المنطلقات والتطلعات ميدانياً، ضلّلت الجماهير بتكرارها كلامياً، والتنفيذ العكسي لها كلياً أو جزئياً، والنتيجة المؤسفة كانت: لا تنمية إدارية ولا تنمية اقتصادية ولا إصلاح إداري ولا إصلاح اقتصادي ولا مكافحة للفساد بالشكل الموعود والمأمول، فأعمال أغلب الوزارات في تراجع، واستمرار احتلال آبار النفط والغاز في الشرق والشمال لا يبرر لوزارة النفط عدم استثمارها للآبار الغزيرة المكتشفة والمحفورة منذ سنوات في المنطقة الوسطى والمخزون الكبير المثبت وجوده في الساحل السوري، وضعف الطاقة الكهربائية بسبب نقص الوقود لا يبرر لوزارة الكهرباء عدم البدء باستثمار طاقات الشمس والرياح، وانتظار القطاع الخاص ليستثمر وتشتري منه بالعملة الصعبة، وشعار زراعة كل شبر لا يتحقق مع الغلاء الكبير للسماد والمحروقات، وتنمية الثروة الحيوانية لا تتحقق مع ضعف الإنتاج المحلي للعلف الحيواني والأرباح الكبيرة التي يحقّقها مستوردو المواد العلفية فضعف توفر مستلزمات الزراعة من وقود وسماد وبذور، وغلاء ما هو متوفر جعل آلاف الهكتارات مهدّدة بالبوار بدلاً من عشرات الأشبار المطروح زراعتها في الشعارات، ووزير التجارة الداخلية يشهد بسوء حالة التسعير، واكتشف أن التدخل السلبي للسورية للتجارة هو القائم بدلاً من التدخل الإيجابي، ووزارة الإعلام غيّبت الإعلام الورقي، وشاشاتها التلفزيونية مكرسة للمسلسلات المعمّرة وبرامج اللهو المتكررة، ورواد المراكز الثقافية أصبحوا بالآحاد بدلاً من الآلاف فالمئات، والمطابع والمكتبات تغلق أبوابها الواحدة تلو الأخرى، والقراء الذين تكهنوا بأن الانترنت يغنيهم عن الكتاب، لا يسمح لهم انقطاع الكهرباء بالاطلاع على الانترنت، ولا يملكون القدرة على شراء الكتاب الذي أصبحت ورقته هذه الأيام أغلى من سعر الكتاب قبل أعوام، وعشرات آلاف الرواتب الشهرية لا تغطي آحاد الحاجات الاستهلاكية الأسبوعية، وتأمين المسكن لم يعد في مأمن، وأغلب المنشآت الصناعية الحكومية المتوقفة شبه منسية، لا بل وبعض التي تعمل تشكو من خلل، والحذر مما هو مطروح للاستثمار والتشاركية، لأن بعض ما تمّ استثماره ليس بأفضل حال، أياً كانت جهة الاستثمار محلية أو أجنبية.
أين ثمرات برامج التحديث والتطوير التي قيل عنها الكثير.. لماذا عشرات الدول التي كان وضعنا أفضل من وضعها بكثير سبقتنا وتأخرنا عن كثيرين ممن كنا نسبقهم، لقد طفح الكيل وبلغ السيل الزبى، فبعض من يصلون إلى المنصب لا يحملون شعوراً بالمسؤولية ولا يهمّهم من منصبهم إلا السلطة والمنفعة، ومن الخطأ تكليف أحدهم بمهمة لا يحيط بتفاصيلها وثناياها وحيثياتها، فإن كان عشرات الذين كلفوا بمهام لم يعرفوا ماذا يتصرفون أو لم يستطيعوا ذلك فهذه مصيبة، وإن كانوا يعرفون ويستطيعون ولكن لم يفعلوا فالمصيبة أكبر، ولكن الجدار البلوري يظهر أن ما خلفه الحالتين، بل وحالة ثالثة تدير الاثنتين معاً وهي من يعرفون ويستطيعون، ولكن يفعلون ما يضرّ الوطن والمواطن عمداً، فكل صاحب منصب مسؤول واحتجاجه بمعوقات تعترضه احتجاج باطل، طالما تعايش معها دون معالجة، والوطن بأمسّ الحاجة لتكليف مواطنين أكفاء بالمهام العليا التي تخولهم القرار والتنفيذ.
عبد اللطيف عباس شعبان/ عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية