المشهد العالمي
هناء شروف
لن يكون هناك فائز إذا انحرفت العلاقات الصينية الأمريكية إلى الصراع والمواجهة والاصطدام. لقد أشار الرئيس الصيني شي جين بينغ في محادثة هاتفية مع الرئيس الأمريكي جو بايدن في 10 أيلول الماضي إلى أن بإمكان الصين والولايات المتحدة التعامل بشكل جيد، لأن ذلك له تأثير على مستقبل العالم، وإن الحصول على علاقة صحيحة ليس أمراً اختيارياً ولكن شيء يجب القيام به .
من هنا يجب على الولايات المتحدة أن تفكر في تصريحات الرئيس الصيني والتي ليست مجرد حديث دبلوماسي بل دعوة للعمل. صحيح أن القوة والتأثير العالمي للولايات المتحدة بلغت ذروتها مع نهاية الحرب الباردة، إلا أن الإفراط في الثقة أدى إلى ارتكابها خطأ استراتيجي بشن حربين متتاليتين في أفغانستان والعراق استهلكت الكثير من قوتها، إلى جانب الركود الاقتصادي الكامل في أعقاب الأزمة المالية لعام 2008 والتي عندها بدأت الميزة للولايات المتحدة في التراجع.
خلال نفس الفترة ، نمت الصين بقوة من خلال التركيز على تنميتها لجهة تعزيز الإصلاح، وفتح بابها على نطاق أوسع للعالم الخارجي للتكامل بشكل أفضل مع الاقتصاد العالمي. ولهذا تنظر الولايات المتحدة إلى تنمية الصين وصعودها على أنه تهديد.
في الماضي أخذت الدول الغربية زمام المبادرة العالمية في التصنيع وأصبحت القوة المهيمنة في المشهد الدولي. كانوا يعتقدون أن قيمهم وأنظمتهم هي الأفضل، ولهذا استخدموا القوة لفرضها على الآخرين، لكن التاريخ أظهر أن النموذج الغربي بعيد كل البعد عن الخيار الوحيد لتنمية المجتمع البشري.
بادئ ذي بدء كانت الدول الغربية تفرض نظامها الديمقراطي على الدول الأخرى ، الأمر الذي أدى فقط إلى اضطراب سياسي طويل الأمد وتوقف اقتصادي وصعوبات في ضمان سبل عيش الناس واضطراب اجتماعي وأوضاع أمنية سيئة. بعد ذلك، واجه النظام الغربي مشاكل خطيرة داخل بلدانهم منذ مطلع هذا القرن فقد ابتليت الدول الغربية والولايات المتحدة على وجه الخصوص بالنمو البطيء بينما أصبح الاستقطاب السياسي وتفريغ الاقتصاد والانقسامات الاجتماعية أكثر خطورة.
في المقابل، وجدت الصين مساراً آخر للتنمية يختلف عن النموذج الغربي. بعد أكثر من 40 عاماً من الإصلاح والانفتاح زادت القوة الوطنية الشاملة للصين، وتحسنت سبل عيش الناس بشكل كبير مما مكنها من تقديم مساهمات أكبر لتنمية العالم والحصول على الإشادة في الجميع. لقد أثبت نجاح الصين أن هناك مسارات تنمية أخرى إلى جانب الغرب.
اليوم تبذل الولايات المتحدة قصارى جهدها لقمع واحتواء صعود الصين باعتبارها المنافس الاستراتيجي الأساسي للقيادة العالمية، فقد شنت حملة محلية غاضبة لإلقاء اللوم على الصين في النكسات السياسية والأمنية والاقتصادية والتكنولوجية. والمثال الأكثر شيوعاً هو قيام الولايات المتحدة بمحاولة تحويل الصين إلى كبش فداء في الحرب ضد وباء كوفيد 19.
ليس من الأخلاقي ولا الواقعي أن تحافظ الولايات المتحدة على هيمنتها في العالم من خلال قمع واحتواء صعود الصين، بل عليها تغيير تفكيرها والتعاون مع الصين.