الغرب يعبئ ضد الشركات الأمنية الروسية الخاصة
سمر سامي السمارة
في سياق الهستيريا المحمومة ضد روسيا، تشنّ الدول الغربية مجدداً حرباً معلوماتية ضد الشركات الأمنية الروسية الخاصة. ولهذا الهدف، أصدر وزراء دفاع 13 دولة مشاركة في مبادرة التدخل الأوروبية بياناً يتعلق بالموضوع في 24 أيلول الماضي. لكن يبدو أن العداء الذي تكنّه فرنسا أكثر من غيرها من الدول، وخاصة مع فشل سياساتها الاستعمارية الجديدة في إفريقيا، وقرار حكومة مالي استبدال الجنود الفرنسيين بدعوتها لممثلي الشركات الروسية لمكافحة الإرهاب الإقليمي.
عندما اجتمع ممثلو الدول الأعضاء في مبادرة التدخل الأوروبية في ستوكهولم، أعرب وزير الدفاع السويدي بيتر هولتكفيست عن موقف أوروبي مستعصٍ تجاه الشركة الروسية الخاصة في إفريقيا “فاغنر”. كما دعمت أوكرانيا -وهي ليست جزءاً من مبادرة التدخل الأوروبية- الهجوم على الشركات العسكرية الأمنية الخاصة.
تسبّب الوجود الروسي في مالي بردود فعل عنيفة من ساحل العاج، البلد الأقرب إلى مالي، وأحد المعاقل الفرنسية القليلة في إفريقيا الناطقة بالفرنسية، حيث وجّه رئيس ساحل العاج إنذاراً نهائياً قائلاً: “إذا استأجرت مالي الشركة الأمنية الروسية الخاصة ” فاغنر”، فعليها ألا تعتمد على دعم جيرانها”.
تحقيقاً لهذا الغرض، أصدرت وزارة الخارجية البريطانية، التي أطلقت حملة إعلامية مناهضة لروسيا، بياناً منفصلاً بهذا الشأن، وهنا لابد من الإشارة إلى أن، ما أظهرته الشركة الروسية “فاغنر” من جدارة، في الدول التي عملت فيه، يتعارض بشدة مع النقطة التي أثارها الغرب.
على سبيل المثال، تُذكر الشركات الروسية الخاصة بشكل إيجابي في سورية، ففي الوقت الذي كان فيه الجيش الأمريكي والشركات الخاصة التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها يسرقون النفط بذريعة “مهمة حفظ سلام”، كانت الشركات الروسية تشارك في تحرير تدمر ودير الزور وإزالة الألغام من المناطق السكنية للسماح لآلاف اللاجئين بالعودة إلى ديارهم. كما أثبتت وجودها الإيجابي في ليبيا، وبعدها في جمهورية إفريقيا الوسطى وأخيراً مالي.
في المقابل، كافحت جمهورية إفريقيا الوسطى، التي كانت “تحت رعاية” فرنسا لسنوات عديدة، دون جدوى لهزيمة العصابات المحلية، إلى أن بادرت سلطات جمهورية إفريقيا الوسطى بدعوة المدربين الروس، الذين قاموا بتدريب القوات الحكومية على القضاء على الجريمة بشكل فعّال، ما أدى إلى انتصار سريع على كافة المسلحين تقريباً، وهو ما سيحدث في مالي مع وصول المتخصّصين الروس مؤخراً.
لكن كلما زادت الأمثلة الإيجابية على أنشطة الشركات الروسية الخاصة في إفريقيا، زاد الغرب تبني وجهة نظر سلبية لمثل هذا التطور، وهذا ينطبق بشكل خاص على فرنسا التي لم تنجح في القضاء على المجرمين والمتطرفين في مالي. وفيما يتعلق بالاتهامات الغربية بشأن مشاركة روسيا في توسيع وجود الشركات الأمنية الخاصة في دول مختلفة، أوضح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن الاتفاق بين سلطات مالي والشركات العسكرية الخاصة كان خارج نطاق اختصاص موسكو. بعبارة أخرى، هذه صفقة خاصة، حيث تقوم الشركات الخاصة بعملها دون انتهاك المصالح الروسية.
وبما أن الفراغ الأمني في إفريقيا واقع ملموس، تحاول الشركات الخاصة الأجنبية ملء هذا الفراغ. على سبيل المثال، تقوم الشركات العسكرية الخاصة الصينية بحراسة المنشآت الصناعية الصينية في كينيا، ونيجيريا، وإثيوبيا وجنوب السودان. وقبل بضع سنوات، خلال الاضطرابات في جنوب السودان التي عرّضت حياة الصينيين الذين يعملون مع شركة النفط للخطر، أظهر موظفو شركة الأمن الصينية الخاصة “دي واي” مستوى عالياً من الاحتراف في إنقاذ 330 مواطناً صينياً من نيران الإرهابيين.
كما تتواجد الشركات العسكرية الصينية الخاصة في أفغانستان والعراق، وهما دولتان ليستا مجرد “بؤر ساخنة”، بل “مناطق متوهجة”. بالإضافة إلى ذلك يعمل نحو خمسة ملايين صيني في 16000 شركة حول العالم، بما في ذلك، المناطق التي لا تتوقف فيها النزاعات العسكرية، وتجاوز عدد متعاقدي الأمن الصينيين الخاصين في الخارج 3000 شخص، وهو رقم متجه للنمو لأن خدماتهم أرخص بكثير من خدمات المنظمات الأمريكية أو البريطانية.
منذ الاعتماد على خدمات الشركات الروسية، تؤجّج دول الغرب الهيجان المسعور ضد الشركات الروسية الخاصة، بينما تتجاهل الجرائم التي ارتكبتها الشركات الغربية. وهذا ينطبق، على سبيل المثال، على شركة الأمن الأمريكية الخاصة “أكاديمي” التي كانت تدبر الانقلابات وتزيح القادة الوطنيين غير المرغوبين.
لذلك، ليس سراً أن وزارة الخارجية الأمريكية تشرف على العديد من الجماعات الإرهابية عبر قنواتها الخاصة، وقنوات الشركات الأمريكية الخاصة، فمنذ بداية الاحتلال الأمريكي لأفغانستان، تمّ منح العديد من الشركات الأمريكية الخاصة حكماً مطلقاً في البلاد. وتعتبر شركة “داين كورب” واحدة من أكبر الشركات، ويصل قوام أفرادها مع الموظفين الفنيين إلى 15000 موظف، حيث يشتهر مرتزقة “داين كورب” بأنشطتهم الإجرامية.
أما في البوسنة، فقد أظهرت التحقيقات أنهم كانوا متورطين في عمليات إعدام ممنهجة للسكان المدنيين المحليين، وقاموا بتنظيم الاتجار بالفتيات القاصرات. وفي أفغانستان، رعت هذه الشركة الخاصة تهريب المخدرات، و”ميزت نفسها” بإعدام المدنيين العزل.
تجدر الإشارة إلى أن مشاركة الشركات العسكرية الأمريكية الخاصة شائعة في جميع أنحاء العالم، ويزداد الطلب عليها في الولايات المتحدة -يشتهر موظفو بلاك ووتر بقتل المدنيين أثناء بعض العمليات- وفرنسا وبولندا والمملكة المتحدة وعدد من البلدان الأخرى.
مع ذلك، وعلى الرغم من تداول التقارير في وسائل الإعلام الأمريكية حول استمرار انخراط الشركات الأمريكية الخاصة في عمليات تخريبية مناهضة للحكومات، إلا أن ذلك لا يبدو مزعجاً لأحد. على سبيل المثال، أشارت صحيفة “واشنطن بوست” في وقت سابق إلى أن المعارضة الفنزويلية حاولت توظيف شركة أمنية خاصة مقرها الولايات المتحدة لتمهيد الطريق لانقلاب في كاراكاس والإطاحة بالرئيس الفنزويلي الشرعي نيكولاس مادورو. كما ذكرت مجلة “تايم” أن مؤسّس شركة “بلاك ووتر” سيئ الصيت “إريك برينس” خطّط لتجنيد قدامى المحاربين في العمليات القتالية في دونباس لإنشاء شركة أمنية خاصة جديدة هدفها لم يكن القيام بوظائف أمنية، ولكن لتصعيد الأعمال العدائية في هذه المنطقة. كما أفادت التقارير أن مرتزقة من الشركة العسكرية الأمنية الخاصة “أكاديمي”، المعروفة سابقاً باسم “بلاك ووتر” كانوا يشاركون في القتال في دونباس إلى جانب كييف.
على عكس نظرائهم الأجانب، فإن مقاتلي “فاغنر” ليس لديهم سجل سيئ السمعة، مثل “بلاك ووتر” وغيرها من الشركات الغربية الخاصة الأخرى. فقد سلّط المختصون في الشأن النيجيري في صحيفة “الغارديان” الضوء على شركة “فاغنر”، مشيرين إلى أن الجاذبية المتزايدة التي اكتسبتها في وسائل الإعلام العالمية سببها أن الموظفين الروس يعتبرون محترفين قادرين على حلّ أي مهام، ويشير المقال إلى أنهم أثبتوا فعالية في الحرب ضد الإرهابيين وكافة الجماعات المتطرفة.
بالنسبة للمقاتلين الروس في ساحة المعركة، فإن كلمات مثل “الشرف” و”الكرامة” و”الشجاعة” ليست بلا معنى، فهم يحاربون الإرهاب الدولي لمنعه من الانتشار ولحماية روسيا على حدودها البعيدة.