الانتخابات الرئاسية فرنسا 2022: انقسام حاد في اليسار و ارتباك في اليمين المتطرف
قبل ستة أشهر من الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية لعام 2022، تعيش الساحة السياسية سخونة غير مسبوقة قبل أن تتبلور خارطة المرشحين لدى الأطراف السياسية المختلفة. ما يميز التحضيرات للمعركة الإنتخابية هو الإنقسام والتناقضات في محوري اليمين واليسار على حد سواء.
بينما يقوم المرشحون الثابتون بالتمهيد لبرامجهم الإنتخابية عبر لقاءات حزبية وشعبية، تتركز الأنظار عل إستطلاعات الرأي التي يعوّل عليها كثيراً لتبيّن إتجاهات الرأي العام ونسب تأييده لهذا المرشح أو ذاك. الجديد هو أن مروحة المنافسة إتسعت عشية الدورة الحالية، فمشهد المبارزة المحصورة بين الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون والمرشحة عن التجمع الوطني اليميني المتطرف مارين لوبن تغير تماماً، وتتجه الإستطلاعات نحو تأكيد دخول مرشحين جدداً المنافسة على التأهل للدورة الثانية.
يستمر الرئيس ماكرون في تصدر إستطلاعات الرأي ب 25 و 26 % من نوايا التصويت، مستفيداً من التشرذم والصراعات داخل الأطراف المنافسة في ساحة اليسار كما في محور اليمين.
حزب “الجمهوريون” اليميني، الذي يجلس في مقاعد المعارضة منذ ثلاث دورات إنتخابية، وعل أثر تحقيقه نتائج باهرة في الإنتخابات المناطقية والإقليمية الأخيرة، يظهر كطرف أساسي في الإنتخابات الرئاسية، لكن قاعدته الإنتخابية لم تتوصل حتى الأن لتحديد هوية مرشحه عل الرغم من أن المعلومات ترجح كزافييه برتراند كشخصية جامعة يتوقع أن تمنحه القاعدة الإنتخابية للحزب ما بين 12.3% و 13.7% متقدماً على منافسية بنقطتين أو ثلاث نقاط.
العاصفة التي أحدثها الصحافي والكاتب اليميني المتطرف أريك زيمور بعثرت إلى حد كبير الأوراق في ساحة اليمين المتطرف بالرغم من أن الأخير لم يعلن ترشحه رسمياً، ويستمر في التلاعب بأعصاب تيار اليمين المتطرف لا سيما شخصيته البارزة مارين لوبن. زيمور يحصد المزيد من التأييد في إستطلاعات الرأي ويسير جنباً إلى جنب مع لوبن (كلاهما حوالي 16% من نوايا التصويت) وهو الأمر الذي سيؤثر بحدة من خلال خفض مستوى “تذكرة الدخول” في الجولة الثانية كما تقول جريدة ” لوموند”، فبينما كانت في الإنتخابات السابقة حوالي 25 % أصبحت الآن حوالي 16%.
يسار منقسم
في جبهة اليسار لم تؤد الجهود للإتفاق على مرشح يمثّل جميع الإتجاهات. الإنقسام والتشرذم يسود القوى الرئيسية، ويضعف حظوظ ممثليها في الوصول إلى الدورة الثانية. جان لوك ميلونشون عل رأس فرنسا غير الخاضعة يتقدم إستطلاعات الرأي كمنافس أول في الدورة الأولى وتمنحه إستطلاعات الرأي ما بين 9% و 16% تبعاً لتوجهات منظمي الإستطلاعات، ويليه يانيك جادو عن الخضر بـ 7% ثم أن هيدالغو المتوقع ترشيحها عن الحزب الإشتراكي بـ 4 %من نوايا التصويت، وفابيان روسيل عن الحزب الشيوعي.
في الأثناء، وبشعارات تدغدغ الشريحة الأوسع من الفرنسيين لناحية العدالة وتوزيع الثروة، أطلقت مرشحة الحزب الإشتراكي للإنتخابات الرئاسية، آن هيدالغو، حملة إنتخابية إنطلاقاً من مدينة ليل في الشمال.
بكلمات تحذيرية من نتائج التفاوت الإجتماعي وإنعكاسها عل تراجع الجمهورية، إختارت هيدالغو مخاطبة قاعدتها الإنتخابية الإشتراكية التي تتنازعها تيارات عديدة وعواطف متناقضة، سيما في وجود مرشحين يساريين يحاولون إستقطاب شرائح اليسار الفرنسي.
هيدالغو التي تحمل أرثاً ثقيلاً بسبب تراجع الحزب الإشتراكي وهزيمته المدوية أمام إيمانويل ماكرون واليمين المتطرف قبل خمس سنوات، تعتقد أن فرنسا كجمهورية “تتفكك عندما لا يعود بإمكانها أن تعد بمستقبل أفضل لأطفالها، في مواجهة تغير المناخ الناجم عن عمل الإنسان، و لا تقدم سوى التقاعس عن العمل أو الازدراء. الأزمة البيئية هنا، نحن هناك ، ولا شيء يتم القيام به”.
ترشح هيدالغو، وهي رئيسة بلدية باريس، في موازاة مرشحين أخَرين من اليسار، يفتح الباب أمام مزيد من التشرذم والضعف لليسار الفرنسي، إلى درجة أن مستشارة رئيس حزب البيئة، ساندرين روسو، ناشدت هيدالغو وضع يدها في يد حزبها والتعاون في المشروع البيئي الإجتماعي لخوض معركة الرئاسة.
لكن الحزب الإشتراكي عموماً، الذي تضعه الإستطلاعات العامة خلف حزب البيئة، لا يصغي لمثل هذه الدعوات ويريد من أطراف اليسار أن تنظم إليه ودعم هيدالغو في الانتخابات المقبلة.
وأظهرت إستطلاعات رأي في أوساط البيئة اليسارية، أن 66% يأملون خوض الإنتخابات الرئاسية بمرشح مشترك وتقديم تنازلات من جميع الأطراف، حيث تبين التقارير أن إتحاد اليسار ممكن أن ينتزع من 25 إل 29% من أصوات مجموع الناخبين.
التنافس الانتخابي بين أطراف اليسار وتوزع الكتلة الانتخابية بين المرشحين الذي سيصل عددهم إلى 7 أو أكثر، سيقدّم فرصة ذهبية إما لليمين المتطرف أو لليمين التقليدي للنفاذ إلى الدورة الثانية من الانتخابات في مواجهة ماكرون عل الأرجح وخسارة إمكانية عودة اليسار كلاعب أساسي في فرنسا.