تحقيقاتصحيفة البعث

المواقف المأجورة في حلب تستولي على معظم الشوارع وتتغلغل ضمن الأحياء السكنية

حلب – معن الغادري

أثار ولا يزال مشروع المواقف المأجورة والذي بات معروفاً في حلب باسم “صفة”  نسبة للشركة المستثمرة، جدلاً كبيراً بين مشجع لهذه الخطوة الحضارية، وبين معارض لها من أساسها، كونها تشكل تعدياً على الأملاك العامة وعلى حقوق المواطنين من الاستفادة من المرافق العامة.

أما الطرف الثالث في هذه القضية فيرى أن هناك مشكلات إجرائية وتجاوزات قانونية من قبل الفريق الأول “مجلس المدينة”  جاءت في مصلحة الشركة المستثمرة على حساب المواطن لجهة إشغال معظم شوارع حلب ا‎لرئيسية والفرعية بما فيها الأحياء السكنية، بالإضافة إلى طريقة وشكل تحديد المواقف المأجورة عبر اقتطاع جزء كبير من الشوارع يميناً ويساراً كعلامة على وجود المواقف، ما تسبب في حدوث خلل كبير في الحالة المرورية المأزومة أصلاً سواء للمارة أم للسيارات العابرة.

رأي قانوني

أجمعت آراء معظم القانونيين الذين تابعوا هذا الملف عن كثب أن العقد المبرم بين مجلس المدينة والشركة المستثمرة يشوبه الكثير من الأخطاء والتجاوزات، فيما انشغلت مواقع التواصل الاجتماعي والصفحات الشخصية بهذا الملف واعتبرته مخالفاً للقوانين ومجحفاً بحق المواطنين.

وتساءل عدد كبير من المواطنين والأهالي حول بنود وشروط التعاقد مع الشركة، ولماذا لا يتم الكشف عن مضمون العقد من قبل مجلس المدينة..؟ في وقت أبدى العديد من الفعاليات التجارية في معظم مناطق حلب استيائهم من هذا المشروع واعتبروه تضييقاً لتجارتهم ولحركة الطلب والعرض..!.

وأشار ه . ع أحد أصحاب المحال في وسط المدينة إلى أن الفكرة جيدة وحضارية ومعمول بها في معظم الدول، إلا أن الظروف الراهنة غير مناسبة لتنفيذ مثل هذا المشروع خاصة أن حلب بحاجة ماسة إلى مشاريع أكثر جدوى لناحية دفع دورة الإنتاج وإنعاش الجانب الاقتصادي، وبالنيابة عن معظم أصحاب الفعاليات التجارية في وسط المدينة أكد أنه من الضروري إعادة النظر في هذا المشروع وبما يخفف على المواطنين والتجار، وتسهيل تنقلهم خاصة أن وسط المدينة يعاني من ازدحام كبير نظراً لكثرة الأسواق وتواجد معظم المديريات والمؤسسات والمصارف الحكومية والمكاتب الخاصة، ما يعني أن الحركة اليومية ستتناقص بسبب هذه المواقف المأجورة، وعدم قدرة المواطنين على دفع أجور ركن سياراتهم لقضاء حاجاتهم وأعمالهم.

السيد و . ف صاحب محل تجاري أوضح أن عمله تراجع بنسبة واضحة نتيجة المواقف المأجورة، مشيراً إلى أن تأجير الشوارع والمرافق أمر غير قانوني وهو ملك عام، ومن حق المواطن الاستفادة منه مجاناً، وكان الأجدى إنشاء كراجات طابقية وساحات لركن السيارات بدلاً من تأجير أجزاء ومساحات كبيرة من الشوارع الرئيسية والفرعية .

أبو محمود وهو صاحب محل، رأى أن المواقف المأجورة تشكل عبئاً مادياً إضافياً على المواطن وعلى أصحاب المحلات والمكاتب والعاملين على سيارات النقل، وأنه كصاحب محل مضطر لأن يركن سيارته لمدة طويلة من الصباح وحتى المساء، ما يرتب عليّه دفع مبالغ كبيرة يومياً، وبالتالي سيضطر لرفع الأسعار ليعوض ما خسره جراء ركن سيارته، عدا عن التأثير السلبي لجهة تراجع تنقل المواطنين وتسوقهم اليومي.

استثمار لمدة ثمان سنوات

ما عرفناه حتى الآن أنه بموجب العقد ستستثمر الشوارع لمدة 8 سنوات وبواقع (٤٥٠٠) موقف مأجور سواء في مركز المدينة أو الأسواق التجارية أو في أي شارع تراه الشركة مناسباً، مقابل مبلغ مالي يقدر بحوالي مليار ليرة سنوياً تعود إلى خزينة المجلس، فيما تم التكتم على تفاصيل العقد من قبل الطرفين بالتوازي مع الاعتراضات والمطالبات المستمرة من قبل أعضاء مجلسي المدينة والمحافظة بالكشف عن تفاصيل العقد للرأي العام ولوسائل الإعلام، ما يعني أن عملية التعاقد تمت بشكل ضمني وربما سري، وهو ما أشار إليه أعضاء مجلس المدينة الذين أكدوا أن لا علم لهم بتفاصيل العقد المبرم.

وكان عدد من أعضاء مجلس المحافظة تداخلوا خلال اجتماع المجلس الدوري واعترضوا على صيغة العقد وطالبوا مجلس مدينة حلب بإخراج عدد من الشوارع في المدينة ومنها المحيطة بالقصر العدلي من ضمن الشوارع الممنوحة للشركة المستثمرة لأسباب متعددة أهمها عدم وجود ساحات كافية أو مرآب تحت الأرض ضمن القصر العدلي لوقوف السيارات العائدة للقضاة أو المحامين أو فروع الشرطة وأقسامها أو لوقوف المكروباصات بمختلف أنواعها، بالإضافة إلى وجود مدخل ومخرج ومسرب واحد للقصر، ما يتسبب بعرقلة السير أمام المدخل الرئيسي، وطالبوا بضرورة إعادة النظر في هذه المواقف قبل اعتمادها بشكل نهائي، إلا أن أحداً من الفريقين لم يستجب.

تنظيم الحركة..!.

تواصلنا مع نائب رئيس مجلس مدينة حلب المهندس أحمد رحماني الذي أوضح أن المكتب التنفيذي صادق على العقد كقيمة مالية بينما الإضبارة الفنية لم تعرض على المجلس وهي من اختصاص الدراسات في المكتب الفني، مشيراً إلى أن المجلس يتلقى الكثير من الشكاوى ويتم دراستها، بالإضافة إلى إعادة النظر في بعض التفاصيل لتصويب هذا الملف.

وبين رحماني أن هذا المشروع ليس جديداً، وسبق أن تم طرحه للاستثمار قبل سنوات الحرب الإرهابية، والهدف منه تنظيم الشوارع وتخفيف الازدحامات والاختناقات المرورية، وتحقيق ريوع مالية إضافية لدعم ميزانية المجلس.

المهندس سائد البدوي مدير الهندسة المرورية في المجلس بين بدوره أن مشروع المواقف المأجورة يهدف إلى تنظيم الوقوف المؤقت للسيارات وتنظيم الحركة المرورية بحلب، ضمن مركز المدينة والشوارع الرئيسية، التي تعاني من ازدحامات يومية ومن توقف السيارات على طرفيها لساعات طويلة، وهو أمر معمول به في معظم المحافظات السورية وفي مدن العالم.

ووصف المشروع بأنه ينسجم مع مختلف الظروف ويتسم بالمرونة من خلال إمكانية تغيير المواقع حسب التبدلات المرورية والواقع المروري، وتأمين فرص العمل ومن العائدات التي تنعكس بشكل مباشر على المشاريع التنموية ضمن المدينة.

ما تقدم يؤكد أن مجلس مدينة حلب يتحمل وحده كامل المسؤولية عن عقد الاستثمار وما تضمنه من التزامات وتحديد للشوارع والمواقف وما نص عليه من حقوق للجهة المستثمرة، وكذلك يتحمل مجلس المدينة ولجان إشرافه مسؤولية ما يجري في شوارع مدينة حلب من تخريب وتشويه يسيء للمظهر العام من جهة ويعيق حركة السير من جهة أخرى، كما أن تغلل الشركة ضمن الأحياء السكنية وحجز الشوارع والمواقف أمام الأبنية السكنية يشكل تعدياً صارخاً على حقوق المواطنين، خاصة أن هذه الأحياء والشوارع لم يتم تغيير الصفة العمرانية لها حتى يقال بأنها أصبحت أسواق تجارية ويتم التعامل معها على هذا الأساس، ومن غير المقبول وجود عدد بسيط من المحال التجارية في أي شارع سكني تقوم الشركة المستثمرة باستثماره خاصةً أن هذه المحلات تم ترخيصها في ظروف استثنائية ولأسباب خاصة لا يمكن في الأحوال العادية ترخيصها وشارع الماركات مثلاً .

أخيراً إن تصديق العقد من قبل مجلس الدولة لا يعطيه الحصانة إطلاقاً ولا يمنع من إقامة الدعوى من قبل أي مواطن سواء لجهة مخالفة العقد لأحكام القانون (إن وجدت) أو لجهة الأضرار التي لحقت بهذا المواطن.

تصوير – يوسف نو