“بيدرسون” و.. خيبة الأمل!!
أحمد حسن
“غير بيدرسون”، مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سورية، يشعر – وأممه اللامتحدة – بخيبة الأمل!!.
قد يذهب بنا الظن – انطلاقاً من طبيعة تكليف الرجل – إلى أن “الخيبة” ناجمة عن عوامل موضوعية تمنعه من القيام بعمله، مثل احتلال واشنطن لمنطقة شرق الفرات، التي تضمنها ولايته الأممية – وتعتبرها جزءاً لا يتجزأ من سورية وبالتالي من مهمته – وسرقة خيراتها علناً، أو الاحتلال التركي لمنطقة الشمال الغربي ومحاولات تتريكها علناً بما يناقض أسس تكليفه ويعرقل عمله، وقد يذهب بنا الظن أيضاً إلى أن مبعث “الخيبة” هو عدم قدرة المجتمع الدولي، الذي يمثّله الرجل، على ردع العدوان الإسرائيلي المتكرر على سورية.
أبعد من ذلك، فقد نظن أن للرجل سببا شخصيا يتمثّل بأن أغلب دول مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة التي كلّفته ببحث حلّ لسورية، لا زالت تدعم الإرهاب علناً فيها، بل تسوّغه سياسياً وتموّله مالياً وترعاه لوجستياً، وبالتالي تبدو وكأنها تريد حرق مستقبله “الأممي” في أتون حروبها ومصالحها الكبرى.
لكن هذا كله، كما يبدو، من سوء الظن لا حسنه، وبعض هذا السوء – وبالأحرى أغلبه في هذه الحالة – إثم كما نعرف، فالسيد المبعوث الخاص يشعر بخيبة الأمل لأننا، على ما يقول، “لم نحقق ما أردنا إنجازه… هذه الجولة لم توصلنا إلى أي تفاهمات أو أرضية مشتركة حول أي من القضايا” الخلافية، هذا كلام جميل ومعبّر عن نتائج الجولة السادسة للجنة الدستورية لو أن الرجل اتّبعه بتوضيح مقنع لماهية القضايا الخلافية ولطبيعة الأرضية المشتركة التي يمكن الوصول إليها ليشعر بالأمل.
هنا، وأمام سوابق لم يمر عليها الزمن للرجل وأممه المتحدة، يحق لنا، كسوريين، أن نسأل: هل إن رفض “التدخل في شؤون سورية الداخلية بأي شكل كان” هو موضوع خلافي؟!!، أو أن تضمين الدستور عبارة تؤكد أنها “موحدة أرضاً وشعباً وغير قابلة للتجزئة” يحتاج لنقاش بين السوريين؟!!، أم أن بيت العلة، ومكمنها في خيبة الرجل، ومعه فريق معروف، يتمثّل بجمل طرحها الوفد الوطني في جنيف مثل التمسك بـ”تحرير الأراضي المحتلة” بوصفه “واجباً وطنياً”، وعدّ “أي شكل من أشكال التعاون الذي يسهّل استمرار أو ترسيخ هذا الاحتلال خيانة عظمى”، أو جملة مثل “يخضع للمساءلة القانونية كل من يتعامل مع أي طرف خارجي بأي طريقة غير شرعية”؟
وبالطبع، هذا يقودنا لأمكنة أخرى وأسئلة أخرى، أولها: من المتضرر من رفض دمشق للمشاريع الانفصالية وتأكيدها على تضمين ذلك في الدستور؟ ومن المتضرر من الإصرار السوري على دستور يلزم الدولة بـ “مواجهة الإرهاب بجميع صوره وأشكاله وتعقب مصادر تمويله”، ويعدّ “مصادر تمويله جريمة يعاقب عليها القانون بأشد العقوبات”؟ ومن هي الجهة التي تمانع “رفض الفكر المتطرف والعمل على استئصاله”؟ وهل هذا الأمر يجب أن يكون وجهة نظر الحكومة في دمشق، أم يجب أن يكون التزاماً سورياً وعربياً وعالمياً أيضاً؟!
وبالتالي، هل سيشعر البعض بالأمل إذا خلا الدستور من ذلك؟ أو إذا تمت الموافقة على محاولة البعض “تشريع كيان الاحتلال الصهيوني ومعه تشريع الاحتلالين التركي والأميركي”؟ أو “تبرير ودعم الإجراءات القسرية أحادية الجانب غير المشروعة التي أدت إلى إفقار الشعب السوري وتعميق معاناته”؟
والحال، فإن هذه الأسئلة – وسواها – التي طرحتها نتائج اجتماع اللجنة الأخير وما تلاها من تصريحات “ملغّمة” للبعض، تؤكد كلها أن الحرب السياسية لا تقل هولاً ومشقّة ودقّة عن العسكرية، فهنا لكل كلمة معنى، ولكل عبارة مقصد، ولكل فقرة هدف وأثر لا يمحى بسهولة، لذلك وحتى الوصول إلى الخاتمة السعيدة للشعب السوري، سنسمع الكثير عن “الأمل” وعن الخيبة منه في الآن ذاته، لكنه لن يكون، كلّه، لمصلحة هذا الشعب، بل سيكون بعضه مجرد صدى لأجندات لا زال البعض يحلم بتحقّقها عبر خرق سياسي ودستوري يعوض ما عجز عنه السلاح خلال الفترة الماضية.