السماسرة أسياد “هال” طرطوس.. وتجاره يحلون محل المصرف الزراعي لجهة التمويل..!.
طرطوس – محمد محمود
قفزات متتالية صعوداً سجلتها وتسجلها أسعار المنتجات الزراعية على مستوى الأسواق في طرطوس إذ وصل سعر كيلو البطاطا لثلاثة آلاف ليرة سورية، ولا ينقص سعر كيلو البندورة أو الخيار عن الألف ليرة رغم أن إنتاج البيوت المحمية لمّا يبدأ بعد في مشهد غير مفهوم أو مفسر يربك المواطن، ويزيد من حيرة الفلاح، فالأول يشكو نار الغلاء، والارتفاع المستمر، والأخير يشتكي القلة والغبن من السماسرة وتجار أسواق الهال، وكلاهما يعد الحلقة الأضعف في سلسة تجارية باتت معروفة وتتحكم بالعملية الإنتاجية للخضار والفواكه، سلسلة تتضمن سماسرة، وتجار، ووسطاء، يعيدون ضبط إيقاع أسعار المنتجات الزراعية ويتحكمون بها بما ينسجم مع مصالحهم، وعملهم الوسيط، ويضيّق الخناق على الفلاح والمستهلك، لكن المفارقة أن لتجار السوق أيضا شجونهم الخاصة ومشكلاتهم التي تجعلهم من وجهة نظرهم أصحاب مظلومية أيضاً، فمن يتحمل مسؤولية كل ما يحصل، ومن يعيد ضبط إيقاع أسواق المنتجات الزراعية بما يكفل رضا الجميع، وماذا عن الأدوار الإيجابية الغائبة التي تحدثت مرارا عن التدخل الإيجابي دون أن تفعل شيئا، وما هي الحلول !؟.
نقطة بداية
يبدو سوق الهال في طرطوس مكانا مثاليا للوقوف عند وجهة نظر العديد من الجهات المعنية بالإنتاج الزراعي، إذ تقابل هناك بعض الفلاحين فيحدثونك عن ارتفاع مستلزمات إنتاج الخضار، والمشاكل الكبيرة التي تواجههم في نقل البضائع، كما يشتكي البعض منهم تقييم المنتجات الزراعية والنسبة المئوية التي يحصلها تجار السوق من محاصيلهم وتبلغ 7,5%، وكذلك خصومات فرق الوزن التي تخصم 3% من وزن السيارة تضيع على الفلاح، وموضوع صناديق التعبئة التي تعبأ بها المنتجات ويتحملون سعرها، ويتحدث الفلاحين أيضا عن مشاكل المراكز الوسيطة التي لعبت دورا سلبيا في تسعير البضائع والمنتجات، وتقليل سعرها رغم أن سعرها في السوق أكثر بكثير، لكن الفلاح يبيع إنتاجه لتلك المراكز مضطرا لعدم قدرته على تحمل نفقات النقل، ويتحدث الفلاحون أيضا عن اضطرارهم في كثير من الأحيان لأخذ سلف من السماسرة والوسطاء يعاد سدادها عند الموسم لعدم قدرتهم على تحمل نفقات الإنتاج التي وصلت لمبالغ كبيرة جدا مقابل غياب أي دور إيجابي للمصارف الزراعية المسؤولة عن دعم الفلاح، ما تسبب في تدني العملية الإنتاجية أو ارتهانها للوسطاء والتجار والسماسرة.
سوق “الشقيعة”
لكن من جهة أخرى، وعند طرح هذه النقاط والإشكاليات مع رئيس لجنة تجار سوق الهال بطرطوس محمد حمود تفاجئ بالشجون والمشاكل الكثيرة التي يتحدث عنها الحاج باسم أصحاب أكثر من 150 سوقا ومحلا تجاريا متواجدين في السوق، فيقول: نعاني اليوم من حركة بطيئة جدا في سوق الهال المركزي بطرطوس، ومن يزور السوق صباحا سيفاجئ بحركة ضعيفة جدا لم يعدها سابقا، “سوق يلعب بها الخيال” فسوق الهال في طرطوس أصبح اليوم سوقا للشقيعة والسماسرة، والبضاعة انخفضت لأسباب متعددة منها قلة المازوت والكهرباء، كذلك الأمر بالنسبة لمواصفات الخضار والفواكه هناك تدني بالجودة والأحجام لهذه الأسباب، ويضيف، المراكز المحدثة حول المحافظة في القرى أخذت 80% من سوق الهال لخارج المحافظة، وهناك مزارعين يحملون بضائعهم باتجاه أسواق أخرى، رغم أن المحافظة منتجة والخيرات كثيرة لكن إنتاجها غير موجود في السوق، كما يعاني التجار من المشاكل المستمرة مع “الشحينة” الذين يأخذون كميات كبيرة من الخضار والفواكه بالأمانة ثم يختفون دون سداد ثمنها.
عرض وطلب
ويؤكد حمود أن السوق اليوم مفتوح أمام المزارعين والعلاقة مع المزارع هي علاقة عرض وطلب، فمعظم التجار أصدقاء للمزارعين، وهناك تجار كثر يقدمون للمزارعين ويخدمون الفلاحين أكثر من المصرف الزراعي واتحاد الفلاحين دون أي شروط، وكل من يقول أو يدعي أن هناك تحكم بالفلاح هو أمر غير صحيح، فالمعيار الأول هو إنتاج هذا المزارع، والسعر الذي يأخذه حتى ولو كان مديونا يحدده نوع البضاعة دون أي ضغط أو فوائد، وهناك التزام بموضوع الفواتير، ويهمنا توصيل الصورة الصحيحة، ويضيف حمود: عمولة 7.5% ليست ظالمة وهي عمولة جيدة فلا أحد يعمل بنسب أقل، فالتعامل مع الخضار والفواكه يشبه التعامل مع المياه المجمدة ونحن معرضون في أي لحظة للخسارة، فنسبة الخسارة ليست سهلة ولها متطلبات كثيرة، ويوميا لدينا مشاكل كثيرة، فمن السهل جدا توصيل البضاعة لكن تصريفها هو العمل، وهي مشكلة عويصة يتحكم بها العرض والطلب، ويضرب حمود مثالا حول السورية للتجارة فيقول: خسائرها اليوم بالمليارات رغم أنها اللاعب الأقوى على الساحة من ناحية السيارات التي تمتلكها، وتوفر كل مستلزمات العمل لديها، فالموضوع ليس تاجر يتحكم بمزارع، وهناك معاناة عند الجميع.
ثلاثة حلول
في المقابل وفي ظل شكوى جميع الأطراف من الظلم، يبدو أن طرح وتطبيق أفكار وحلول مختلفة مطلوب في هذه الفترة في أسواق الهال لتنظيم العلاقة مجددا بين التاجر والفلاح، وعودة الاستقرار للأسواق على اختلاف أماكن تواجدها، حيث يطرح عضو مجلس محافظة طرطوس علي كرميا ثلاثة حلول: يرى أنها قد تحدث فروقات في أسعار الخضار والفواكه لصالح الفلاح والمستهلك، دون أن تحدث ضررا على التجار، فيرى كرميا أن النسبة المفروضة على الفلاح بدفع 7,5 من قيمة بضاعته للتاجر غير مقبولة بالنسبة للكميات الكبيرة، في حين أنها لا تشكل فارقا بالنسبة للفلاحين الذين يقدمون للسوق كميات صغيرة من المنتجات، ويرى أن يتم تقسيم “الكوميسيون” بنسبة مئوية وفق شرائح، فالـ 7 % على مبالغ صغيرة لا مشكلة فيها، لكن في حال تم تنزيل كميات كبيرة يجب أن يكون هناك حسم تشجيعا للمزارع بالإنتاج بحيث كل ما كبر المبلغ ينقص الكموسيون، وهذه طريقة تشجع على زيادة الإنتاج، في حين أن استمرار النسبة السابقة يشكل طريقة غير مشروعة للربح بالنسبة للتجار الذين يتحصلون على النسبة دون أي جهد.
ويضيف كرميا معاناة الفلاح مع العبوات هي معاناة قديمة، فالفلاح يجب أن يعاد له ثمن الفلين، ويتحمل التاجر ثمنها فهي، والأمر الثالث هو موضوع التجفاف وخصم 3% فرق وزن، فكل سيارة عندما تنزل على السوق يخصم 3% فرق وزن منها ويذهب على الفلاح علما أن المؤشر الالكتروني دقيق ويقدم الوزن بدقة.
سوق جديد
ويطالب كرميا بسوق جديد في منطقة سهل عكار فيقول: بعد غلاء المازوت وارتفاع تكاليف نقل الخضار والفواكه، باتت الحركة بالسوقين الرئيسيين للمنتجات الزراعية في طرطوس سوق الهال وبانياس ضعيفة جدا، فكمية الإنتاج التي تخرج من سهل عكار تعادل كمية الإنتاج من المحافظة بمرتين أو ثلاثة ومع ذلك فالمزارع مجبور بتنزيل بضاعته لسوق الهال، أو لتلك المراكز العشوائية المنتشرة، ومشاكل هذه المراكز العشوائيات غياب المنافسة فيها والتحكم بالأسعار، حيث يشحن التاجر البضاعة على حسابه ولديه عملاء للتحكم بالمزارع، والحل بسوق هال خاص بالشحن في منطقة سهل عكار، ورغم أن الاقتراح السابق تم الوعد بتنفيذه في مكان على طريق الصفصافة لكنه مكان ضيق لا يحقق الغاية المرجوة.
في الانتظار
وفي ظل عدم جدية المؤسسات المعنية في تسويق المنتجات الزراعية أو التدخل الإيجابي بأسعارها، فالسورية للتجارة لم تسوق تفاحة واحدة حين كان الحديث عن التفاح وأسعاره المنخفضة، واليوم يبدو التعامل مع أسعار البطاطا المرتفعة مماثلا، ويتهرب المعنيون فيها من الإجابة عن الأسباب أكثر من مرة عند سؤالهم.
ونبقى في انتظار تطبيق بعض الحلول السابقة أو جميعها التي بدت مقبولة ومنطقية في محافظة طرطوس أو طرح حلول أكثر جدوى عملية تساهم في تحسين واقع أسواق الهال والإنتاج الزراعي، في حين يستمر انتظار الفلاح واستنزافه الدائم، وتستمر الشكاوى من المواطن الذي يشكو نار الغلاء ولهيب أسعاره.