مهمة الولايات المتحدة في سورية فاشلة… لا تحولوها إلى كارثة
ترجمة وإعداد: علي اليوسف
قالت صحيفة “نيوزويك” في مقال رأي أن الجيش الأمريكي قام بشن غارات جوية على مواقع الحلفاء في سورية، في المقابل، أكد مسؤولون أن هجوماً بطائرة مسيرة وقذائف مورتر استهدف القوات الأمريكية بالقرب من قاعدة التنف الأربعاء الماضي. لحسن الحظ، لم تقع إصابات بين الأمريكيين، ولكن بالنظر إلى أن هذا الحادث كان من الممكن أن يؤدي إلى مقتل عدد من عناصر القوات الأمريكية، فإن السؤال الكبير الذي يجب طرحه هو هل يستحق هؤلاء الجنود ذلك؟.
لقد باتت مهمة الولايات المتحدة في سورية ذات قيمة مشكوك فيها، فهي في الأصل استخدمت “المتمردين” السوريين كقوة على الأرض لمحاربة كل من “داعش” والحكومة السورية. وعندما فشلت هذه المساعي المكلفة، توسع التدخل العسكري الأمريكي ليشمل تقديم المشورة والدعم الناري لقوات “سورية الديمقراطية” بعد أن استعادت السيطرة على المدن التي كان يسيطر عليها تنظيم “داعش”.
منذ ذلك الحين، على الرغم من فقدان “داعش” لآبار النفط وسيطرتها على الأراضي وقيادتها، استمر الوجود الأمريكي في سورية، بل زاد من حضوره حتى أصبحت ظروف المغادرة غير واقعية.
على الرغم من خطابها حول الانسحاب في عام 2019، سحبت إدارة ترامب عددا قليلا جداً جداً من القوات. كانت درجة الانسحاب الفعلي تافهة من 1000 جندي إلى 900. وعلى الرغم من أن هذا الخطاب المسرحي قد يكون مفيداً سياسياً، إلا أنه لا يفعل شيئاً لإصلاح عدم الاتساق الاستراتيجي للمهمة الأمريكية في سورية أو لحماية القوات الأمريكية هناك.
تستضيف قاعدة التنف ثكنة صغيرة حوالي 200 جندي، أي أن قوة من هذا الحجم ليس لديها سوى قدرة محدودة فقط على التأثير على الظروف في البلاد. حتى تنظيم “داعش” بات مجزأ، وما تبقى من أنشطته في سورية اتجه نحو الأعمال السرية، والقوة الأمريكية التقليدية في وسط الصحراء السورية لا تواجه تلك الأعمال السرية.
أما في شمال شرق سورية، فقد أقلعت طائرة هليكوبتر من طراز CH-47 من طراز شينوك تابعة للجيش الأمريكي عند غروب الشمس أثناء نقل القوات الأمريكية من موقع قتالي بعيد يعرف باسم RLZ في 25 أيار 2021 بالقرب من الحدود التركية في شمال شرق سورية. وفي تلك المنطقة بالتحديد، تعمل القوات الأمريكية، وهي جزء من فرقة العمل WARCLUB من المواقع القتالية في المنطقة، بالتنسيق مع قوات “سورية الديمقراطية” في محاربة “داعش” المتبقين، وردع القوات الرديفة الموالية للحكومة السورية. تستخدم القوات الأمريكية بشكل أساسي مركبة Oshkosh M-ATV ، وهي مركبة محمية من الكمائن المقاومة للألغام (MRAP).
تتواجد القوات الأمريكية في شمال شرق سورية، حيث تقدم المشورة والمساعدة لقوات “سورية الديمقراطية”، لكن بالنظر إلى أن قوات “سورية الديمقراطية” لم تعد تستولي على المدن، فإن الدعم الذي يحتاجون إليه ضئيل للغاية، وبالتالي لا يتطلب تبادل المعلومات الاستخباراتية وجود قوات على الأرض، ولا ضربات مستهدفة على أهداف “داعش”.
تروج الولايات المتحدة إلى أن الهدف الرسمي للمهمة في سورية هو منع عودة “داعش”، لكن هذا الهدف غالباً ما يلعب دور ثانٍ لاحتواء النفوذ الإيراني. حتى مع بقاء القوات الأمريكية في سورية، ما زلنا نرى إيران تعزز موقعها في البلاد، و”إسرائيل” ترد بضربات. حتى أن القوات الأمريكية لا تستطيع قطع خطوط الإمداد الإيرانية عن وكلائها في سورية الذين لديهم قوة ردع ضئيلة.
ليست إيران اللاعب الأجنبي الوحيد في سورية، فهناك الدعم الجوي والناري الروسي للحكومة السورية. لذلك لو تمكنت القوات الأمريكية من ردع السوريين المنهكين، فإنها لم تمنع روسيا من توسيع قواتها ونفوذها في البلاد، وإن قيام القوات الروسية باعتراض المركبات الأمريكية يؤكد هذه النقطة. ونظراً لعدم وجود فوائد إستراتيجية للبقاء قي سورية مع تزايد المخاطر على القوات الأمريكية، يجب ألا نحاول مضاعفة محاولات الردع الهشة في أحسن الأحوال.
لذلك حان الوقت لمواجهة الواقع، لقد انتصر الرئيس بشار الأسد في الحرب، وهذه ليست معلومات جديدة. إذن يجب على صانعي القرار في الولايات المتحدة التعامل مع الواقع كما هو، وليس كما يرغبون في أن يكون. ونظراً لأن تسليح وتدريب الإرهابيين ضد الرئيس الأسد كان النية الأصلية لإرسال القوات، فإن استحالة الإطاحة بالأسد يجب أن تعني عودة القوات الأمريكية إلى الوطن. ومع ذلك، فإن إستراتيجية الولايات المتحدة لا تزال وراء العصر.
لقد تغيرت مهمة الولايات المتحدة في سورية في لازمة مألوفة للغاية بعد إخفاقات أفغانستان. لقد تحولت المهمة المحدودة – وإن كانت معيبة- لمحاربة “داعش” إلى تورط غير واضح وخطير على نحو متزايد بعد سنوات من حرمان “داعش” من الخلافة. صحيح أن الجنود الأمريكيون سيفعلون كل ما يُطلب منهم، لكن قادتهم المدنيين مدينون لهم بالتأكد من أن تضحياتهم تتناسب مع الفوائد.
وعليه فإن الرهانات في سورية لا تستحق موت الأمريكيين، ويمكن أن يكون هجوم الأربعاء بطائرة بدون طيار مقدمة لهجمات أكثر فتكاً. لذلك بدلاً من تقديم اعتذارات عن مهمة فاشلة بدون هدف محدد، يجب على صانعي القرار الأمريكيين الانسحاب من سورية قبل أن يتحول الفشل إلى كارثة.